… روسيا / منزل المثقف : تركت زوجتي وحوارها الممتع ودخلت إلى الحمام وأنا أردد أغنية غربية قديمة إذ بزوجتي تطرق على الباب وتقول لقد جائك إتصال في الصباح سألتها وأنا أفتح الصنوبر الساخن من حبيبتي أجابتني ببساطة من الجزائر حبيبي وعندها سقط قلبي بين قدمي وصعد الدم في رأسي ومر بين عيني شريط الذكريات المر في الجزائر وأيام التعذيب والترهيب وليالي الألآم الرهيبة والوجع والموت البشع والبطيء خرجت من الحمام على عجل وأنا شبه عاري وقلت لزوجتي وأنا مرتبك من الجزائر؟؟ نظرت إلي مستغربة وقالت ماذا بك لقد أخطأت في توصيل المعلومة بل من شخص جزائري تعرفه جيدا…
لم يتصل بي أحد من الجزائر منذ وفاة الوالد هناك ومن هذا الشخص الجزائري الذي لديه رقم هاتف المنزل بدأت أفكاري بالتشوش وسألتها من هذا الشخص الغريب قالت لي إنه الحاج أحمد ويقيم في موسكو أيضا أظنك تعرفه وأخيرا تنفست الصعداء وقلت لها أجل أجل أعرفه ماذا قال لك أجابتني وهي مستغربة من تقلب مزاجي خلال هذه المكالمة لا شيء يدعو للقلق فقط أراد منك أن تمر عليه غذا في المساء وأنت خارج من عملك لتناول الشاي فقط هذا ما قال… ماذا يريد مني هذا الذئب العجوز هل هي حيلة من حيله المجهزة من النظام أم أنه فعلا يريد رفيقا من بني جلدته ومؤنسا في هذا المكان البعيد من العالم وهل أقبل دعوته هكذا ببساطة أم أعتذر منه وأغير رقم هاتف المنزل مازال عندي الوقت لإتخاذ القرار المناسب من هنا للغد ماذا حل بك مالي أراك مرتبك ومتوتر منذ أن سمعت بأمر هذا الإتصال سألتني زوجتي بلسان الزوجة التي تعرف كل حركة صغيرة كانت أو كبيرة بحكم العشرة والتجربة من زوجها أجبتها وأنا أحاول طمأنتها وأنا بنفسي غير مطمأن لا لست متوتر وأنت ترين قد خرجت من الحمام وأنا نصف عاري وقد أحسست ببعض البرد فقط هذا ما هناك أجابتني كأنها تذكرت شيئا مهما أه فعلا يا حبيبي أدخل إلى الحمام فورا قد تأخذ نزلة برد وأنت في غنى عنها في مثل هذا الفصل من العام الحمد لله وجدت مخرجا من أسئلة زوجتي المحرجة وأخيرا سأختلي بنفسي وأقرر ماذا أصنع مساء الغد…
في الحقيقة وجدت أن المغامرة تستحق أن أجربها وأعيشها حتى أعرف سبب إلتقائي بهذا الشيكور الغامض أهو لقاء مدبر ومخطط له من طرف زمرة الشر الجنرالات في الجزائر أم أن الأقدار رمت بهذا الدب الأدمي في طريقي لفتح ملفات قديمة تبعث على الألم والحزن نفتحها لنكتشف من السبب الذي جعل شعب الجزائري يعيش الذل والمهانة والحݣرة والفقر المذل رغم وجود الخيرات والثروات سؤال يبقى بلا جواب أجريت إتصال هاتفي مع زوجتي أخبرتها أني سأكون في ضيافة صديقي الجزائري هذه الليلة وأن لا تنزعج إن تأخرت بعض الوقت وهكذا توجهت إلى المنزل الفاخر للشيكور الجزائري ولد بلادي وصلت بسرعة إلى المنزل قبل أن أنزل من السيارة إطمأنت على وجود مسدسي المرخص المخبأ بعناية تحت البدلة وقمت بجر الزناد تحسبا لأي طارئ ولأي حالة غدر وهكذا طرقت الباب بلطف فإذا بالحاج أحمد يخرج عندي وسلم علي بمودة وإمتنان صراحة لم أكن أتوقعها تفضل يا ولدي نزلت أهلا وحللت سهلا قالها بشكل حبي ورقيق حتى بدأت أشك أنه هذا الرجل كان في يوم من الأيام شيكور معروف في البلاد وكأنه على علم بنقطة ضعفي فوجدت المائدة ممتلئة بالحلوى وقلت لنفسي لا تغرك المظاهر الخداعة فالخروف قبل أن يدبحوه يضعون له ما لذ وطاب من المأكل والمشرب ثم يقومون بقطع رأسه بكل شراسة وعنف وأنا قد أقسمت أن لا أكون خروفا من جديد منذ أن تركت بلاد ميكي المشؤومة بكل نحسها وشرها بدأت أعدل وأرتب بدلتي وأنا في الواقع أتحسس مسدسي لأشعر بالطمأنينة والأمان إنتهينا من تناول الوجبة الدسمة وطلب مني الحاج أحمد أن نجلس في مكتبه لنتحدث ونتسامر قليلا ونتذكر الأيام الخوالي في الجزائر ولياليها الملاح وعرض علي أن أرى ألبومه الخاص فرحبت بالفكرة وناقوس الخطر مازال يعمل في عقلي وفي أذني…
جلسنا على كراسي فخمة متقابلة ولمحت نظرة الحزن تملأ عيني الشيكور منذ أن إلتقينا أول مرة قد إزداد حزنا وأسى هذه المرة إنتابني شعور جديد شعور بالشفقة والرثاء لهذا العجوز المنبوذ في أخر الدنيا يا ولدي لم تدخل بيتي حتى قمت بالتحريات عنك جيدا ما هذا الكلام الذي يتفوه به هذا العجوز وبأي حق فتش ورائي كأنه علم ما يدور بخلدي فقال لي لا تعاتبني يا إبني فإني وثقت بأقرب الأشخاص لي ثقة عمياء ولم يصبني سهم الغدر إلا منهم قلت لنفسي ولم تحشرني أنا في حياتك وتدخلني فيها رغما عني سألته وعلى فمي شبه إبتسامة ساخرة “واش جبرتي موراي أعمي أحمد” أجابني كأنه يطمأنني على حالتي لا شيء يدعو للقلق رجل في عقد الأربعينيات مهندس دولة متزوج وأب لأبنة وملفك أبيض تماما سألته منفعل ويدي تستعد للإنقضاض على المسدس وإفراغ كل الرصاصات في رأسه حتى أنتهي من هذا الكابوس الذي عاد إلي من بؤرة جهنم ولم هذا التعب والعناء والبحث في أموري الشخصية أجبني بصراحة ماذا تريد مني أجئت لتصفية الحسابات قال لي هذا الدب الأدمي وهو يتلعثم في كلامه لا يا ولدي أنت في عمر إبني وأنا لا أريد أن أؤديك وماذا تريد مني أعمي أحمد ماذا تريد سألته وأنا في غاية الغضب والتوتر أجابني وفي كلامه نبرة حزن أريدك أن تكون شاهدا على ما سأروي لك من حكايات واقعية وقعت في بلادنا أريد أن أترك شاهدا قبل أن أموت….يتبع