ضمنت الشرائع السماوية والنظم والقوانين الدولية والأممية حق الشعوب في الحرية واختيار حاكمها وطبيعة نظامها السياسي ولقد بذل العالم الحر جهدا كبيرا حتى استقر إلي الديمقراطية وتداول السلطة وتحديد ولاية الرئيس الذي اعتبره عاملاً أو موظفاً متعاقداً مع الأمة لأداء مهمة وواجب حدده الدستور ولا ينبغي الحيد عنه أو الميل عليه إذ أن الرئيس والحكومة في نظرهم أداة لخدمة الشعب ويجب أن تخضع لرقابته.
لقد أظهرت تجربة النظام العسكري في جميع الدول العربية التي سيطر عليها أن الجيش إذا ما تدخل في السياسة فلا يُنتظر أن يخرج منها وإذا ما تمكن العسكر من تولى السلطة في البلاد حتى يُصبح من العسير جداً إرغامه عن التخلي عن الحكم ونتيجة هي أن تلك الدولة تصبح دولة ديكتاتورية وفاشلة في جميع المجالات لهذا أراهم واهمين أو قُل حالمين أولئك الذين يراهنون على إزاحة الحكم العسكري عن الجزائر واستبداله بحكم مدني ديمقراطي يؤمن بتداول السلطة يقتنع بوجود الرأي الآخر يسلّم بحق التظاهر يرسي قواعد المساواة بين كل فئات الشعب إلى غير ذلك من عناوين براقة أصبحنا لا نسمعها ولا نقرأ عنها في وسائل الإعلام المحلية ولا حتى في كتب ومناهج التعليم ولو من قبيل الاستهلاك المحلي ذلك أنها تصيب نظام الجنرالات الذي يحكمنا بحساسية بالغة ويعدّها مساسا بأمنه واستقراره ومن ثم تمهد الطريق لإزاحته من السلطة لهذا يجب أن نعترف بأن الطريق إلى الحكم المدني في الديكتاتوريات العميقة أو المتجذرة مخضب بدماء لا أول لها ولا آخر وهو أمر مرفوض شعبيا في الحالة الجزائرية التي تابعت بأسى بالغ مجريات الأحداث السورية والعراقية والمصرية والليبية والسودانية واليمنية وترى فيها أمرا محزنا ومخزيا في آن واحد وهي الأحداث التي تسلط عليها وسائل الإعلام المحلية الضوء طوال الوقت للتحذير والعبرة وفي الوقت نفسه فإن أطروحة الحكم المدني على الجانب العسكري أمر غير مقبول عند الجنرالات ولو لمجرد المناقشة وهم الذين تحمّلوا وصبروا على مضض بالابتعاد المؤقت عن الحكم لنصف عام 1992 أثناء حكم بوضياف ولن يقبلوا تكرار التجربة مرة أخرى وقد فعلوا الأفاعيل على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لضمان عدم التكرار التجربة بوضع كلبهم تبون في الحكم لهذا الحل الوحيد لمشكلة الجزائر الكبر هي انقلاب الضباط الأحرار ضد الطاغية الجنرال شنقريحة قبل أن تنهار الجزائر وتشتعل حرب في المنطقة تعيد الجزائر إلى العصور الوسط.