….وبالفعل كان ثمر بسكرة هو الحل فقد قمنا بوضع الكوكايين في شحنة التمور صوب مارسيليا وقام رجالي بهذا العمل بكل إحترافية فكل الصناديق تظهر للعيان عادية وطبيعية وحتى من الداخل لكن في وسط التمور وبأعماق الصناديق توجد قرابة طن من الكوكايين التي ستدر علينا أموال كالرز وطبعا سيكون النصيب الأوفر منها لسادة العساكر ومع كثرة تعاملي في أروبا وتوافدي على بلدانها والتعامل مع المافيات هناك وتسهيلها لنا عملية العبور والرجوع أصبح العمل بالنسبة لي روتيني وعادي لا يتعدى إفراغ البضاعة في مخازن مارسليا ومن بعدها توزع على كل أروبا وتحويل الأموال إلى حسابات الجنرالات في سويسرا وباناما ثم العودة إلى الديار سالما وغانما ولكن ما كان يغيظني في الأمر هو أن أغلب مستعملي المخدرات والكوكايين في أروبا هم أبناء وأحفاد المهاجرين العرب التي تصدر أصلا من بلادهم الأصلية أي أن لعنة أنظمتهم تلاحقهم في كل مكان هذه هي العناية والرعاية التي يوفرها نظامنا المبجل لجاليتنا بالخارج كيف لا والأقراص المهلوسة والكوكايين والشيشا تغرق أبنائنا في مدن أروبا…
وفي جلستي المعتادة عل الباخرة وأنا قبالة الساحل أنتظر ظهور ميناء وهران وقنينة الويسكي الثالثة في يدي قد أوشكت على أن تفرغ ومازال عقلي صاحي يفكر في هذه الأوضاع الجديدة وفي حال إبني بلال وزوجتي حورية أي لعنة تطارد حظي العاثر هذا ولكن هناك مشكلة فأنا أملك ثروة من المال يمكن أن أعالج بها إبني في أرقى مستشفيات أروبا وأمريكا وحورية سأرسلها لتتعالج في مراكز مكافحة الإدمان في ألمانيا وبعدها تعود المياه إلى مجاريها فالمال يصنع المعجزات في زمننا هذا وصلت في ساعة متأخرة من الليل إلى منزلي ولكن هناك شيء ما يمنعني من الذهاب إلى المنزل ويلح علي بأن ألتحق بأقرب بار في المدينة حتى أستعد للكارثة وبصعوبة أقنعت نفسي أن ما هذا إلا تطير وتشاؤم ليس إلا وإن علي مواجهة الأمر كيف ما كان مازالت المصابيح مضيئة في البيت وعدد كبير من السيارات واقفة بجنب بيتي يا إلهي ماذا هناك ماذا أسمع إنه صوت مقرئ القرأن وهو يتلو أيات بينات من القرأن وأناس داخلة وخارجة من البيت ياليتني توجهت إلى البار أولا فقلبي لم يعد يتحمل صدمة أخرى…
دخلت البيت وأنا غير مصدق لما أرى كأني في كابوس وسأفيق عما قريب ولدي الله يرحم حورية الله يصبرك أولدي ماذا تقول أمي هل فعلا حبيبتي ماتت سألتها وعيني تذرف الدموع بلا إرادة مني وبلال “أيما واش صراله؟” أجابتني أمي وهي تنتحب بلال مازال في المستشفى العسكري لم يرضى الضابط أن نخرجه معنا وحالته مستقرة شعرت حينها أني فقدت عضوا من أعضاء جسدي وجزءا فرحا مضيئا من وفي هذه الفترة بالضبط أصيبت فيها بمرض الضغط والسكر وبعد مدة من وفاة حورية شعرت بالعزلة الشديدة والغربة فقررت أن أتي بإبني بلال إلى البيت وأوفر له كل الأجهزة الطبية والمعدات اللازمة ليعيش على الأقل وسط البيت بالقرب مني ومن جده وجدته إلا أنني وجدت معارضة شديدة من الأطباء لم أدري حينها سببها إلا أنني وفي أحد العمليات في فرنسا توجهت إلى أحد الأطباء المعروفين في مدينة ليون وشرحت له حالة ولدي ورغبتي في جلبه من المستشفى للعيش معي فقال لي ببساطة أن مثل هذه الحالات يمكن أن تعيش في المنزل بشرط توافر الأجهزة والمعدات اللازمة للعيش وأن مثل هذه الأمور معمول بها في أروبا بشكل طبيعي تماما…
إشتريت الأجهزة الطبية والمعدات من السويد وحملتها على باخرة وهران وقدمت بها إلى البلاد لجلب إبني ليعيش معي وأشم فيه رائحة الغالية وكلفت ممرضين برعاية إبني مع مبلغ خيالي يغري حتى الأطباء بالإضافة إلى مهارتهم في التعامل مع حالة الطفل وإستخدام الأجهزة فعرضت الأمر مرة أخرى على الأطباء إلا أنهم عادوا للرفض الشيء الذي لم أتقبله فصرخت في وجوههم أني سأخذ ولدي بالقوة إن إقتضى الأمر وهنا جاء عندي كبير الأطباء وهو يقول متلعثم سي أحمد نحن لا نريد المشاكل ففي المرة الأولى التي طلبت فيها الولد كنا سنعطيه لك ولكن جائت أوامر عليا بأن الطفل بلال سيظل تحت رعاية القادة رغما عنا وعنك نظرت إليه كثور هائج ولا أدري ماذا سأقول له إلا أنني من الإنفعال ضربت قبضتي بزجاج النافذة حتى سال الدم من قبضتي وقلت له متوعدا هذا الأمر لن يمر بسهولة هكذا وإتجهت من فوري إلى مكتب المهرج القاتل الجنرال احمد طالح غير مبالي بجرحي ولا بغضبي الممبت لم يجعلني ضابط الحراسة أن أدخل عليه قبل تفتيشي لأكثر من مرة ودخل معي ضابطين مفتولي العضلات في حالة إن تهورت على قائدهم…
إستقبلني بابتسامة باردة وهو يقول خادمنا الوفي ماذا جاء بك في هذا الوقت أجبته بسرعة أريد أن أخرج إبني من المستشفى وأعالجه في بيتي قال لي بهدوئه المستفز ولدك يحتاج للعناية والأطباء والرعاية التامة بهذا العمل ستقتل إبنك أجبته وأنا لا أدري ماذا أقول هو إبني وأنا أتحمل المسؤولية ولو قدر الله ومات عاد إلى إبتسامته المقيتة وهو يقول لا لا خطأ نحن نريده حي أتفهم هو هكذا ينفعنا وهو حي لم أفهم قصده من هذا الكلام فثرت في وجهه قائلا سأخذ إبني وليقع ما يقع لن تمنعوني من إبني هنا أجابني بصرامة وهو يقول إسمع أيها الحقير ما أنت إلا بيدق في لعبة كبيرة نحركه كيفما نشاء وإبنك سيظل عندنا ما دام لسانك في فمك نظرت إليه باستغراب وقد إنهارت قوتي تماما وتابع هجومه الشرس أنت نعم أصبحت واحد منا ونحن لا ننكر ذلك إلا أن إبنك سيظل في حمايتنا كنوع من الإحتياط والحذر فلقد أصبحت تعرف كل شيء عنا وجميع أعمالنا وأسرارنا ولضمان ولائك لنا ولنظامنا المجيد سيظل إبنك معنا سيقضي حياته كلها في حضن العسكر حتى إن فكرت في التقاعد عن العمل سنسمح لك بذلك لأن إبنك معنا قل لي ماذا تفضل أتتقاعد في قبر حقير أنت وإبنك أم تتقاعد في أي بلد أروبي تختاره وتبقى أنت وإبنك على قيد الحياة وأطلق ضحكة شيطانية سمع صداها في البناية بأكملها…
ما هذا الدهاء والخبث بل ما هذه الأفكار الصهيونية لا يتركون شيء للحظ والصدفة كل شيء كل خطوة مدروسة عندهم بإتقان فعلا باستعانة هؤلاء زمرة الشر بالخبراء الأجانب وبدراستهم للعقلية العربية وحياة شعب شمال إفريقيا جعلهم يحكمون قبضتهم على كل شيء على الماضي والحاضر والمستقبل وفعلا كان كلامه كما قال بالفعل فبعد سنوات من العمل معهم مع كل ما شملته من قتل ودمار ونشر الفتن بين الشعب والجيران وإغراق البلد في مستنقع الجريمة والإدمان وبعد كل هذا الشر قررت الإعتزال والتقاعد رغم أنه أمثالي من الشواكير لا تكون نهايتهم سعيدة فهو إما أن يبقى في خدمة النظام إلى أن يموت موتة طبيعية وإن فكر لوحده في الإعتزال والإبتعاد عن محيطهم كانت رصاصة الغدر من نصيبه وفي أي مكان كان في العالم إلا أن ولدي بلال كان كمن ضحى بحياته الطبيعية لأعيش أنا تقاعدا إستثنائيا فقد وافق السادة القادة على أن أخلد للراحة وأمروني بالإبتعاد عن الجزائر وعدم الرجوع إليها مجددا وأن أختار أي بلد في أروبا الشرقية للعيش فيه فهناك عندهم عيونهم تحرصهم أيضا وأني سأبقى أتصل بأهلي عبر شبكات الأنترنت للإطمئنان وإلقاء التحية والسلام ووقع إختيار على موسكو وها أنت كما ترى أعيش في فيلا تبلغ مساحتها حوالي الهكتار وحيدا لا ولد ولا سند سوى بعض الخدم الأجانب وخيلي في المزرعة لهذا أرجو منك أسي رابح إن سمحت لك الفرصة في أن تزور الجزائر أن تطمئن على ولدي وتبلغه السلام مني وأن تزور أيضا قبر زوجتي ووالداي وأن تتلوا عليهم بعض الأيات القرأنية وتبلغهم مني السلام…
كنت قد سجلت كل ما قاله الحاج أحمد على هاتفي النقال ونظرت إلى الساعة في الهاتف فوجدتها السابعة ونصف صباحا لا داعي لأن أمر على المنزل سأتجه للعمل مباشرة وهناك سأتصل بزوجتي لأطمئنها نظرت لعيني الشيكور القديم فرأيت فيها بريق غامض ولكن علامات الرضى والإرتياح على وجهه بادية وهو يقول لي الأن يمكن أن أنام وأنا مرتاح البال فلقد أزلت عن قلبي هما ثقيل ودعته مقبلا رأسه وأنا أقول له وقتما تيسرت لي الأمور سأتي لزيارتك والإطمئنان عليك ووقتما إحتجتني إتصل بي ستجدني رهن إشارتك تركته وعينيه تذرف دمعة حارة ها هم أبناء الجزائر المعذبون في كل مكان وفي كل زمان من المسؤول عن كم الهم والحزن والأموات والبطالة والفقر والجوع والأوبئة والأمراض في دولة تعد من الدول المصدرة للبترول والغاز الطبيعي أغلى عنصرين في العالم ولها مدن سياحية تدر أموال هامة ويد عاملة شابة أقهرها الفقر والعوز بعد مرور عشرة أيام من لقائنا الأخير لم أتلقى أي إتصال من عمي أحمد أو أي خبر فقررت الإتصال به في منزله ولم أجد سوى الخادمة التي أخبرتني أن حالته زادت سوءا وأنهم أخذوه إلى المستعجلات على وجه السرعة وأنه في حالة حرجة منذ يومين وسألتها عن المستشفى فأجابتني بأنه المستشفى الكبير في موسكو…
في اليوم الموالي توجهت لزيارته إلا أنني تفاجأت بسريره فارغ فسألت الممرضة عنه رسمت علامة الصليب على صدرها وهي تقول معذرة لقد مات ليلة البارحة وهو الأن في المشرحة ذهبت إلى التحدث مع مدير المستشفى وأخبرته أن هذا الشخص الميت مسلم لدى وجب دفنه في مقبرة المسلمين ففي روسيا توجد جالية لا بأس بها من المسلمين فوافق المدير بدون تعقيدات فوقفت على عملية غسله ودفنه على الطريقة الإسلامية ولبيت له طلبه في أن يدفن وسط المسلمين أما الطلب الأخر من أن أزور الجزائر وأزور إبنه وأهله الميتين فيبدو لي صعب جدا طالما أن لعنة جنرالات الشر تحوم حول سماء الجزائر كغربان الموت وأن هذه العصابة الفاجرة جعلت من نفسها بحق ألهة الجزائر في معبد الدم…يتبع