المقدمة : تدور أحداث هذه القصة في بلادنا الحبيبة أو الرهيبة سمها ما شئت في التسعينيات أواخر القرن الماضي حيث كانت تشتعل الجزائر على لهيب الرصاص والقنابل والمؤامرات السياسية وتصفية الحسابات بين أقطاب الحكم.كانت البلاد أنذاك تغلي وتضحي بشبابها بل بكل شعبها من أجل استمرار حكم العسكر (الحركي) وازدياد ثروات العصابة الحاكمة كنت حينها جزء من اللعبة ولو جزء صغير لكني اكتشفت كيف تدار المؤامرة وكيف يسخرون من الشعب وتلفق التهم لأبرياء بكل احترافية وحبكة ويضحى بشباب الجزائر بل بكل شعبها من اجل كلاب القصعة.
وأنا أضع الأوراق الفارغة بين يدي ممسك بقلمي لا أدري من أين أبدأ ولا لأي فترة أؤرخ بصراحة احترت لكني تذكرت المثل القائل إن كنت لا تعلم أين تمضي فتذكر من أين جئت وهنا اتضحت الفكرة.
سنة 1970 الطفولة : بداياتي كانت هناك في العاصمة حيث ترعرعت بين أحضانها في أزقتها وفي دروبها تعلمت كل البدع من الغش في اللعب مع الصغار إلى النصب والاحتيال على الكبار.تربيت في بيت صغير يتكون من غرفتين والمرحاض كان مشترك مع الجيران الذين يسكنون معنا في نفس الطابق السفلي فقد كانت مأساة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى كنا نأخذ الصف عند الدخول للمرحاض ناهيك أنه لا توجد أسرار بين أسرتي والجيران فقد كنا نعرف من الأسرة التي تعشت أو باتت ليلها صائمة وحتى أسرار الفراش كانت مباحة للجميع بحكم أن الغرف كانت ملتصقة ببعضها وجدران الغرف كانت مهترئة فكان كل شيء مشترك الرائحة والمشاكل والحوارات والأماني إلا شيء واحد لم يكن مشترك هو الطعام لأن قانون البقاء يحتم على كل أسرة ألا تشرك طعامها مع الأسرة أخرى لسبب بسيط أن كمية الطعام عند كل أسرة لا تكفيها فما بالك أن تشركها مع أسرة أخرى.
وأنا صغير استقبل الحياة بكل عفوية وبراءة لم أكن اشعر وأحس بكل هذا الفقر والحاجة والمشاكل والعجز كنت بمجرد أن تعبر قدماي عتبة المنزل أرى العالم بألوان لم أكن أرى اللون الأسود ولم أكن أحبه ولكن مع مرور السنين أصبح يلازمني مثل ظلي. كنت في مستويات الابتدائي من تلاميذ الأوائل وكانت في مدرستي أستاذة للغة العربية اسمها فاطمة كانت في مخيلتي تشبه الملائكة أكثر من البشر كانت تعاملني بحنان وبعطف لأنها كانت تعلم بوضعيتي المزرية وكنت أحب حصتها لدرجة أني كنت أتمنى من الله أن يوقف الزمن عندما أكون عندها . ولم أنسى ذات يوم وأنا ألعب بالشارع وفي لحظة سمعت صوتها وهي تنادي باسمي في الوهلة الأولى ظننت نفسي أتخيل لأني لم أتعود على سماع صوتها بالشارع فرفعت صوتها ظنا منها أني لم اسمعها فلتفت لأجدها واقفة أمام سيارتها وهي تشير علي بيدها لكي اقترب منها وفي لمح البصر وجدتني بالقرب منها قبلتني على خدي وضمتني على صدرها وطبطبت بيدها عل رأسي وسألتني هل أنت قوي يا بني فأجبتها بتحريك رأسي مخالفا بذلك قانون جسدي والذي يقول أن جسمي عبارة عن عظام يكسوها جلد .
ابتسمت المعلمة وأخرجت كيس بلاستكي كبير وقالت لي هل تستطيع يا قوي أن تحمل هذا لمنزلك ولكن بشرط ألا تفتحه حتى تدخل للمنزل فقلت حاضر حمل جسدي الكيس وروحي حملت الفرحة رغم أن حجمها اكبر من الكيس ألاف المرات دخلت إلى المنزل فوجدت أمي تكنس الأرض وعيناها تدمعان فقلت لها أمي انظري ماذا أرسلت لك معلمتي فلتفتت أمي وبابتسامة خفيفة أخرجتها بمشقة من بئر الأحزان قالت الله يخلف عليها لماذا أتعبت نفسها وأنت لماذا قبلت أن تأخذه كان عليك أن ترفض لم اعرف بماذا أجيب ولكنني قلت لها افتح الكيس أولا فتحت أمي الكيس الكبير فوجدنا علب الشكولاطة وملابس لي ولإخوتي فعمت الفرحة البيت الحزين………………..يتبع