وجه رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح خطابا للامة،بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم فيما يلي نصه الكامل:
بــــــــــــــسمِ الله الـرحمـن الرحـيـــــــــــــــــم و الصــلاة والســـلام على أشـرف الـمرسلــين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيتها الـمواطنات الفضليات أيها الـمواطنون الأفاضل،
يَحْتَفي الشعبُ الجزائري على غرار ِالأمةِ الاسلاميّة باستقبال شهر رمضان، شهر القـرآن، شهر الصيام والقيام، وهو الـمحطة الإيمانية التي تَتــوقُ إليها أرواحنا وقلوبنا، لنجدِّدَ فيها عهد الإيمان، ونتصالح مع أنفسنا بالذكر وتلاوة القرآن، مهتدين بقول الله عزّ وجل ” شهرُ رمضان الذي أنزلَ فيه القرآن هُدى للناسِ وبيِّناتٍ من الهدى والفرقان “.
إنهُ الشهر الكريم الذي يترفعُ فيه الـمؤمنون عن الرغبات الفانية، للسمُوّ إلى مدارج الروح العالية، تشبُّهًا بعالم الـملائكة الكرام، مستمسكون بقيم العمل والصبر والتعبد، وكُلها قيم متأصلة في شعبنا الأبيّ الأصيل، الـمتشبث بأخلاقه ومبادئه النبيلة، الـمفعمة بالصـور الرائعة الـمجسدة للتضامن والتكافل والرحمة.
أيتها الـمواطنات الفضليات أيها الـمواطنون الأفاضل،
يحلُّ شهر رمضان المُعظَّم هذه السنة وبلادنا تَمُرُّ بظروف دقيقة؛ تبوأ خلالها الشعب الجزائري منبر التاريخ مستردًا روح المبادرة ومبديًا عزمهُ على بناء مستقبل أفضل تتوقُ إليه جميع مكونات مجتمعنا.
إنها محطة نوعية جديدة، سِمتُها السكينة والسلمية، أَبَانَ من خلالها شعبُنا الأبِيّ على مستوى عال من الوعي والنُضج، معبرًا عن مطالب وطموحات مشروعة بشكل حضاري أبهر العالم كُله. ولقد أخذَ شعبُنا الكلمةَ ليعبِّرَ صَادِحًا بلسان رجل واحد عن تطلعاته في التغيير، وهو يعكس حقيقةً جديدةً في الممارسة الديمقراطية في بلدنا، فاتحًا في نفس الوقت آفاقًا واعدةً في سبيل تحقيق قفزة نوعية نحو الديمقراطية والتنمية والرخاء.
لقد تلقَّفَتْ صوتَ الشعبِ آذانٌ صاغية، ووجدَ من الدولة التفاعل الايجابي والسريع مع مطالبه، والتفهُم لتطلعاته وطموحاته، وهاهو مسعى التغيير يحقِّق كل يوم تقدمًا لا يمكن انكاره.
ولقد حظِيت أهداف هذا المسار بتوافق واسع لدى كل أطياف المجتمع والمؤسسات. هذه الأخيرة مهتمةٌ أيّما اهتمام بهذا المسار، وهي تسعى بحرص كبير إلى مرافقة شعبنا في هذه المرحلة المصيرية.
إن مكافحة الفساد وتبديد المال العام التي كانت في صلب المطالب الشعبية، عرفت تسارعًا يؤكده إحكام قبضة العدالة على ملفات ثقيلة، بعزم وبطريقة منهجية و مستديمة، سيكون لها الأثر المحمود على الاقتصاد الوطني، الذي سيتخلّصُ بفضل ذلك من مغبَّات الممارسات التي لطالما أعاقت سيره.
ومهما يكن، تبقى المصلحة العليا للوطن، في هذه الأثناء، تُملي علينا المحافظة على الدولة، واحترام المؤسسات وصوْن أمن واستقرار البلاد مهما كانت الظروف.
إن هذه المسؤولية التي تقعُ أولاً على عاتق مؤسسات الدّولة، هي كذلك مسؤولية الجميع. ذلك أن التهديدات التي تتربّصُ ببلدنا اليوم، ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها من أول وهلة. بل هي متعدّدة الأشكال، ذات مصدر خارجي مع امتدادات داخلية، وفضلا عن كونها مؤذية فهي غاية في التعقيد. فإضعاف وزعزعة استقرار الجزائر يشكلُ بالنسبة لبعض الاطراف خَيارا استراتيجيا. وإن نكران هذه الحقيقة أو محاولة التقليل من خطرها ليست إلا سذاجة في أحسن الأحوال، إن لم تكن تواطؤا في أَسوَئِها. لذا، فإن شعبنا مدعوٌّ اليوم إلى التحلي بأقصى درجات اليقظة، كما يتعيَّن على أبنائه الأوفياء أن يكونوا متيقظين للأخطار وأن يبقوا على استعداد لمجابهة النوايا الخبيثة والتصرفات العدائية لبعض الأطراف التي تحاول زرع بذور الفتنة والمساس بمؤسسات الدّولة وبمصداقية جهودها الرامية إلى التوصُّل لمخرج للأزمة، عن طريق الحوار والتشاور، باعتباره السبيل الوحيد الذي من شأنه ضمانُ خروج سلمي منها.
ويبقى الحوار الذكي والبناء ذي النية الصادقة، هو السبيل الأوحد لبناء توافق مجدٍ وواسع، يسمحُ بتوفير الشروط الملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية في الآجال المحدّدة، والتي من شأنها أن تُخرج بلادنا بشكل نهائي و دائم من عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي. وسيكون لرئيس الجمهورية المنتخب بنزاهة، الشرعية اللازمة وكل الصلاحيات الكفيلة بتجسيد التطلعات العميقة إلى التغيير والاستجابة لكل المطالب الشعبية الشرعية. إنَّ تغليب هذه الخطوة العقلانية والسليمة، إنما هو تغليب للمصلحة العليا للأمة التي تُعتبر القاسم المشترك لكل الأطراف، على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.
ومن البديهي أن ترتيبات تنظيم ومراقبة هذه الانتخابات، وكذا الإشراف عليها في كل مراحل التحضير والسّيْر وحتى الترتيبات النهائية، يتوجَّبُ أن تكون في صُلب هذا الحوار وأن تحظى بتوافقٍ واسع. وإن الدولة لمصممةٌ على إعطاء الكلمة للشعب ليختار بكل سيادة وحرية وشفافية من يفوضُه لبناء نظام حكمٍ جديد، كما أنها حريصة على إحداث القطيعة وإجراء التغيير التدريجي الذي يريده الشعب إلى غاية تحقيق المطالب المشروعة، بما يكفُل الانتقال السلِس لمقاليد الحكم وإدارة الشأن العام.
من هذا المنظور، فإني أدعو كل الفاعلين الوطنيين، وكل مكونات الطبقة السياسية، والفعاليات التي تُهيكل المجتمع المدني، وكل من كان لسان حال طيفٍ ما في المجتمع أو نُخبه، في الداخل والخارج، لاسيما النساء والشباب، أقول أدعوهم جميعًا إلى التعبئة لأجل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الوطني، لأنه وحده الكفيل بوضع بلدنا على مسار مستقبل آمن ومزدهر ؛ بل إنه وحده الكفيل بإفشال المخاطر والمخطَّطات المعادية الرامية إلى الدفع به نحو الفراغ الدستوري وغياب الدولة، ومن ثَمَّ جرِّه إلى دوامة الفوضى واللااستقرار.
لذا، فإني أحيّي الجهود التي يبذلها الجيش الوطني الشعبي البار، سليل جيش التحرير الوطني المجيد، للحفاظ على الطابع الدستوري للدولة واستمراريتها، وضمان أمن واستقرار الوطن. وأخص بالتحية والتقدير قيادته نظير وضوح التزامها ووقوفها بجانب شعبنا في هذه المرحلة المصيرية من تاريخه، وعزمها على التصدي للتصرفات العدائية ضد وطننا ووحدته الترابية، فضلاً عن المحاولات الرامية إلى المساس بالأمن الوطني وتهديد اللحمة الوطنية.
من جهتي، وأنا من بين الذين دعتهم الضرورة إلى أداء دور في هذا المشهد من تاريخ وطننا المجيد، فإني أتعهد مرة أخرى ببذل قصارى جهودي في العمل، وكلّي وعي ومسؤولية ؛ انطلاقا من قناعتي الراسخة أن الجزائريات والجزائريين قادرين على حل مشاكلهم عبر الحوار والتشاور، وأن هذا الشعب العظيم الذي صنع المعجزات بالأمس، لقادر اليوم على تجاوز الصعاب وبناء المستقبل الأفضل الذي يتطلع إليه؛ مستقبلٌ هو أهل له وهو في متناوله.
إن شعبنا اليوم يعرف حقاً ويدرك فعلاً مصيره، ويكْمُنُ إسهامنا فقط في مرافقته لتحقيق ما يصبو إليه؛ لولوج عهد جديد يُمكِّنُهُ من تحسين ظروفه ورفع مكانتِه بين الأمم.
أيتها الـمواطنات الفضليات أيها الـمواطنون الأفاضل،
ما دمنا نسير على هدى من أنفسنا في خدمة شعبنا وأمتنا بما يرضي الـمولى عزّ وجل، سنفلح إن شاء الله في تحقيق ما يصبو إليه شعبنا من حياة كريمة في ظل العـدل، والتآخي، والتعايش السلمي. وإنني في هذه المناسبة أتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الجزائر ويديم أمنها واستقرارها ويزيد في ازدهارها، ويبارك في بناتها وأبنائها، وأن يوفقنا جميعًا لما نسعى إليه جاهدين في خدمة الوطن الغالي، كما ضحى من أجله الآباء والأجداد.
لقد اخترت هذه المناسبة لأخاطبكم، داعيًا فيها أبناء وطني وبناته إلى التشبث بتقاليدهم الرمضانية العريقة، وترقية قِيَم التراحُم والتآزر والتواصل وتثمينها، كما أدعوكم إلى التخلي عن كافة العادات والسلوكيات السلبية التي تتنافى وقيم شعبنا الأصلية وأخلاقياته الفاضلة وعاداته الحميدة. هنيئا لشعبنا بقـدوم شهر رمضان المعظم، شهر الـمغفرة والرحمة والثواب.
وفقنا الله وإياكم جميعا لـما يحبه ويرضاه. والسـلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.