المثقف / سجن “البرواقية” بولاية المدية: …دائما ما تكون أوامر القادة العظماء حكيمة فهي تفكر في مصلحة الشعب دائما و غمز صاحبه وهما يطلقان ضحكة شيطانية تردد صداها في المعتقل سنعدمهم رميا بالرصاص وأنا من سيطلق الرصاص عليهم قال الرجل الضخم وهو ينفخ أوداجه باعتزاز وفخر وكأنما سيقوم بعمل بطولي كتحرير فلسطين مثلا وأجابه الضابط وهو يتفحص ملفاتنا الخاصة بلا إهتمام إفعل بهم ما شئت إحرقهم لو أحببت وبعدما أفاق بهلول من غيبوبته قاموا برصنا كصف واحد أمام الضابط وضيفه السادي فعصب هذا الأخير عينيه بحيث لا يرى من يصيب كأنه يتباهى بمهارته في التصويب بدقة وأخذ مسدسه بين يديه وحشاه بأربعة رصاصات وتأكد من جاهزيته للإستعمال وأخذ نفسا عميقا ثم قال هدي فخاطر العسكر يا الحشرات…
وضغط الزناد بلا تردد أول رصاصة أصابت الشخص الأول في صدره تماما فطرحته قتيلا على الفور وثاني رصاصة إخترقت أذن بهلول وقطعت جزءا منها وهو يصرخ بجنون وقد بلل سرواله من شدة الخوف ثالث رصاصة أصابت الشخص الثالث في منتصف رأسه تماما فسقط جثة هامدة بلا أدنى حراك ورابع رصاصة كانت من نصيبي فقد إخترقت كتفي الأيمن نتج عنها تقب لم تزال أثاره إلى اليوم وبدأت أصرخ من شدة الألم وأتوجع أما الرجل السادي فقد أزال العصابة عن عينيه ونظر يتأمل نتائج مهارة تصويبه وهو معصب العينين وأخذ يحشي مسدسه برصاصتين جديدتين لإتمام ما بدأه نظر إلينا الضابط وإلتفت إلى صاحبه قائلا هذا يكفي اليوم فهذان المعتوهان لديهما حظ كبير نظر إليه الرجل الضخم وهو غاضب كأنما حرمه من إتمام لعبته المفضلة وقال له معاتبا دعني أقتل هذين الإثنين اليوم فمهارتي في التصويب تتحسن يوما بعد يوم أجابه الضابط بحزم أما هذان المخنتان فلا لأننا سنحتاجهم معنا بدا شكل الرجل الضخم وهو يحك رأسه كالغوريلا تبحث عن الموز ولم تجده سأله بلا إقتناع ولم هذين الرجلين بالضبط أجابه الضابط بتأفف كأنما مل من كثرة أسئلته لقد قرأت ملفاتهما الأن ووجدتهما مفيدين للقادة تماما فالشخص الأول المصاب في كتفه مهندس دولة في البترول وأنت تعلم أن بلادنا تنقصها مثل هذه الكفاءات النادرة وملفه أبيض سليم لا ينتمي إلى أي حزب معارض ولا لأي تيار ديني وسيكون عنصر مفيد للقيادات العليا هذا من جهة أما الشخص الثاني المصاب في أذنه فقد كانت تحوم حوله الشكوك حول تزعمه لحزب معارض خطير ولقد كان الشبه الذي بينه وبين الزعيم الأصلي أن يقضي عليه لولا أنه تبث فعلا انه أصم وأبكم وبهلول لا فائدة منه وهنا احتج الغوريلا الدموي إذن هذا البهلول لا فائدة منه إعطني إياه أتعلم فيه مهارة التصويب فهو أشبه بدمية العرائس بكرشه المنفوخ هذا ورأسه الأقرع لا فائدة منه إن لم نقم بتحريكه بنفسك أجابه الضابط وهو يأمر العساكر أن ينقلونا إلى المستشفى التابع للمعتقل ولن أعطيك هذا البهلول أيضا…
فهو سيشتغل هنا عندنا أنت تعلم أننا نحتاج في عملنا هذا لخادم أمين يطبق الأوامر دون نقاش وأظن أن البهلول سيتقن عمل تنظيف المكاتب وإحضار القهوة والشاي والتنقل بين المكاتب لينقل الملفات وغيرها من المهام وستكون له مهمة مقدسة هنا نظر إليه الرجل باستغراب وهو يسألني ماهي المدة المهمة الهامة يا ترى أجابه الضابط وهو يضحك بسخرية وهي أننا أخيرا سنجد في هذا المعتقل من نسخر منه ونضحك عليه ونقتل روتين العمل ونتسلى قليلا إبتسم الغوريلا ساخرا وهو يقول تصورته وهو لابس ثياب الراقصات ويرقص لنا يا لها من متعة…
أفقت بصعوبة بالغة فالبنج مازال على رأسي وكتفي يوجعني فلقد أزال لي الأطباء العسكريين الرصاص المشؤومة من كتفي تأملت الغرفة من حولي فوجدت نفسي محاطا بسريرين واحد للبهلول والأخر لشخص يغط في نوم عميق لم أعرفه بعض وأضحكني منظر البهلول بحق وأضاء في رأسي عدت أفكار وعدت دراسات لهذه الحالة فالبهلول المسكين يتقاتل مع مفتاح النافذة لفتحه ليخرج إلى حديقة المشفى بالرغم أن الباب من خلفه مفتوح على مصراعيه ولا أحد يمنعه من الخروج إلى الحرية يمكن أن يكون لهذا البهلول عذر فهو فاقد للأهلية ولا عقل لديه ولكن المشكلة في أولئك الذين يمتلكون عقولا وأجساما سليمة فعوض أن يقصدوا الباب الرئيسي للحرية ويتشبثون بالبقاء في ديارهم والعيش في خيراتها وقطع رأس الأفعى تجدهم يتقاتلون على الهروب من النافذة فيما بينهم رغم أن الخروج من النافذة إلى الضفة الأخرى مقرون بالموت والعذاب والذل فهؤلاء القوم هم من يحبون الأصنام والأوثان ويعشقون الإنغماس في تربة الذل والعبودية نهضت بصعوبة من فراشي وأنا أحاول منع البهلول من أذية نفسه وسحبته من مرفقه بلطف فنظر إلي وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة كأنما يريد أن يقول لي أنه يريد الخروج إلى الحديقة فضحكت ضحكة خفيفة أفاقت الشخص الثالث الذي ما رأني حتى هتف السي رابح هذا نهار كبير هذا هذا الصوت ليس غريب عني إلتفت فإذا بي أجده أحد مساعدي الزعيم الإرهابي أجبته بحرارة أهلا وسهلا السي يحيى كيف حالك وماذا حصل لك لتأتي إلى هنا أجابني وهو يتنهد لقد أصبت بقرحة في المعدة كادت أن تؤدي بحياتي للموت وأنت ماذا حل بك أجبته وأنا أتحسس كتفي لقد أصبت بطلق ناري في كتفي ولكنهم قد أخرجوا الرصاصة منه ثم كأني أدركت شيئا مهما فسألته وزعيمك ماذا حصل له إلتفت يمينا ويسارا كأنما يتأكد من عدم وجود أحد ينصت وقال لي إقترب مني فلدي الكثير لأخبرك إلتفت أنا بدوري أبحث عن شخص وهمي يستمع إلينا فقد إنتقلت لي عدوى الشك والحذر وفي هذه الأرض الملعونة قل لي ماذا هناك نظر لي بحذر وهو يقول…
نحن لم نكن جماعة إسلامية ولا حتى نصرانية بل كنا نعمل تحت إمرة الجنرالات فتحت فمي كالأبله فهذه المعلومة في ذاك الوقت كانت صادمة سألته وأنا غير مصدق لذلك كيف عرفت ذلك؟ أجابني لقد جاء عندي جنرال عظيم في الدولة بنفسه أمرني أن أعوض الزعيم الذي قتلوه فسألته ولماذا قتلوه؟ أجابني بهمس هذا الزعيم كان زير نساء وفي أحد المرات عشق إحدى الراقصات المشهورة وعشقته هي أيضا إلا أن هذه الراقصة كانت تعجب أحد قيادي النظام والذي كان يعشقها عشق وكان يمنعها عنه منع وفي إحدى الليالي سكر الزعيم حتى لم يعد يفرق بين الربح والخسارة وقرر المبيت عند الراقصة وكان القيادي يضع حراسة مشددة على بيتها فألقوا عليه القبض وهو يحاول التسلل إليها ورموا به في المعتقل لتأديبه وهو وأعوانه ومن ضمنهم أنا لكن الزعيم لم يرضى بهذا الحال وتمرد وعصى الأوامر بل الأكثر من ذلك أنه هددهم بفضحهم أمام الشعب وكشف خطط النظام الجهنمية لتصفية المعارضين من الشعب ولو أدى الأمر لقتل نصف الشعب الجزائري لضمان خلود الأسياد قادة النظام نظرت إليه ببلادة غير مصدق ما أسمع كيف لنظام عاقل وفي زماننا الحالي يدمر شعب بأكمله فقط ليعيش بعض الأفراد المعدودي على رؤوس الأصابع ويخلد ملكهم ونسلهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهنا سمعنا وقع أقدام قادمة فعاد كل منا إلى سريره إلا البهلول ظل يعبث بزرار مصباح الغرفة دخل إلى الغرفة بعض العساكر مختلفي الرتب وبدأ قائدهم بتفحصنا الواحد تلو الأخر وركز بصره إلي وهو يقول مهندس بترول أليس كذلك أجبته نعم يا سيدي وفجأة مد يده نحو كتفي وإتسعت عيناي من الخوف…يتبع