…إذن سألتقي بأحد أعضاء عصابة الجنرالات المهمين وهذا يعني أن أمر ترقيتي أصبح وشيكا لا يفرقني عليه سوى مقابلة هذا المهرج القاتل دخلنا على القائد الكبير في مكتبه الفخم وسط بناية الموظفين العساكر كان يجري إتصالا هاتفيا ما إن رأنا حتى قطع الإتصال وإلتفت إلينا مبتهجا وهو يقول أهلا بأبناء الجزائر أهلا بأبناء العساكر ضرب الضابط الشاب التحية العسكرية باحترام وإجلال ووكزني بكوعه لأفعل مثله وعلى الفور ضربت تعظيم سلام للقائد الكبير الذي زاد من غروره رؤية هذا المنظر فاتجه نحونا وبدأ يتفحصنا بعينيه قبل أن يقول هكذا تبنى الجزائر العظيمة ضابط شاب إبن النظام منذ نعومة أظافره وشيكور مجرم محترم من أبناء الشعب البؤساء وخادم عند النظام وإبنه أيضا لكن الغير شرعي…
أحسست بالدم يغلي في عروقي إزاء هذه الحݣرة وهذا الغرور الذي يتعامل به معنا المهرج فتابع قائلا ولكل مجتهد نصيب لهذا قرر القادة العظماء ترشيح هذا الشيكور المغمور للبرلمان هذا العام وبهذا ستصبح إبننا الشرعي وذراع قوية من ذروعنا المتعددة المنتشرة في كل ولايات الجزائر خفق قلبي بشدة عند سماع هذا الخبر فأخيرا سأصبح رجلا مهما في هذه البلاد له وزنه وكلمته مسموعة والأكثر من هذا ستصبح عندي حصانة من الدولة أي أنني سأحقق أحلامي كلها وسأجمع بين الثروة والسلطة والقوة أيضا ويمكن في يوم ما أن أصبح من هؤلاء الآلهة وأصنع لنفسي صنما في عقيدة الشعب المحݣور وأكون من صناع القرار بل حتى من صناع لعبة الموت هذه التي يلهون بها على ذقون هؤلاء الخرفان قرابين الجنرالات…
ولكن هكذا صاح القائد العظيم في وجهي وهو يقول بحذر ستصبح خطواتك وحركاتك بل حتى أنفاسك تحت أعيننا ولا تقرر قرار في حياتك حتى نعطيك الإذن وموافقة المجلس أردت أن أحتج على تضييق الحرية هذا فحاولت الكلام معاتبا فقلت له سيدي هناك أمور تتطلب مني أخذ قرار بسرعة وفي الحين بحيث لا يتسع الوقت للرجوع فيه إلى رأي السادة العظام قال لي وهو يتأفف أعلم أعلم ولكن ستعود لنا في كل شيء لديك رقم الضابط الشاب إتصل به ولو في منتصف الليل وهو سيقوم باللازم إبتلعت ريقي بصعوبة وأنا أقول بخفوت ما المطلوب مني الأن يا سيدي أجابني بابتسامة باهتة لا شيء الأن سوى أن تبتعد عن المشاكل هذه الأيام قدر المستطاع حتى يبقى ملفك نظيف أمام الرأي العام وبعد شهر من الأن ستصبح برلماني جزائري وإبن النظام الشرعي…
وفعلا كما قال القائد فبعد شهر بالتمام كنت أتواجد في قبة مجلس الشعب جنبا إلى جنب مع باقي المنافقين والمرتشين في تلك المرحلة كانت بعض الولايات تتقد نارا ودخان التمرد والثورة على هذه الأوضاع المزرية بات واضحا وبشدة فجاءت الأوامر على الفور بإغراق هذه الولايات بالمخدرات واللحوم الفاسدة والأدوية الممنوعة دوليا وأكدت بثمن رخيص جدا يسهل فيه على كل مواطن جزائري أن يذوق من طعم الآلهة ويشرب من خمرها السحري وكان من بين التعليمات أن تعطيها حتى للأطفال إن إقتضى الأمر فالشعب كلهم كلاب سعرانة في نظر النظام ودواء الكلاب المسعورة هو التخدير وإن لم ينفع التخدير نعطيهم طعام فاسد فإن أضرهم في أبدانهم نعطيهم حينها الضربة القاضية وهي الأدوية المحظورة دوليا فعلا كانت الكارثة في ذاك العهد من تلك المرحلة السوداء فقد إنتشرت الجريمة بشكل مرتفع وظهرت الأوبئة والأمراض الخطيرة كالسرطان والكوليرا والسل وفقدان العقل وغيرها من الأمراض الفتاكة وكثرت الإصابات المميتة فكان بلاء حط على مواطني تلك الولايات…
وهنا جاء دور الإعلام الشيات فبدأوا بنشر إشاعة مفادها أنه هذه الأمراض والجرائم التي حلت بهذه الولايات إنما هو ناتج عن غضب السماء ولعنتها لأن هؤلاء المواطنين الخونة أرادو الخروج على النظام وخلق الفتنة والبلبلة فحلت عليهم لعنة الجنرالات المقدسين الشرفاء وربي أظهر العلامة الواضحة ولم يسكتوا حتى مشايخ النظام بل إستغلوا الفرصة للتقرب والتودد للقادة الصلحاء فاخرجوا فتاوى تحرم الخروج على حكام الدولة وخلق الفتنة والتفرقة بين الإخوة المسلمين بل إنهم حتى هددوا الشعب أنه إذا فكر أحد في معارضة النظام أو منازعتهم في الحكم فسيلقى نفس العقاب الإلهي الذي لقيته باقي الولايات الأخرى وكانت بالفعل ضربة ذكية وقاتلة في نفس الوقت جعلت الثورة تخمد وهي ما زالت حتى لم تشتعل وهل يكتفي النظام بهذا النجاح الساحق ويتركوا للشعب المقهور فرصة لأخذ أنفاسه…
بل بعد مدة قصيرة قابلت فيها الجنرال احمد طالح أخبرني أني بصدد مهمة جديدة فسألته هل هي خارج البلد أجابني بابتسامة غامضة لا لا هذه المرة ستكون الصفقة هنا في أرض الخيرات هذه في بلادنا سألته بحيرة ما نوع هذه الصفقة يا سيدي أجابني بسرعة أنت الأن أصبحت رجل أعمال معروف في البلاد لهذا قررت أن تدخل ميدان الأملاك والعقارات ففيها أرباح خيالية من الأموال سألته بتردد ولكن يا سيدي أنا لا أفقه شيء في هذا المجال قال لي باسما لا تخشى شيئا سوف نعلمك أصول لعبة العقارات هي الأخرى وسنجني من ورائها أموال باهظة وستنقص من عدد الأفواه التي تنبح خلف عرشنا لم أفهم قصده من هذه الجملة فقال لي وهو بضحك نفس الضحكة الشيطانية سوف نبني عمارات هشة مزيفة فاسدة كاللحوم التي استوردناها وستكون تكلفة بنائها أقل بكثير من التكلفة الأصلية وسنبيعها نحن بثمن العمارات العادية هل فهمت قصدي…
نظرت إليه باستغراب وأخفيت الخوف الذي إنتابني من أفكار الشر هذه وبدت على وجهي علامات الإعتراض إلى أنه أعادني إلى رشدي بكلامه قائلا متى ستنجب زوجتك فالقادة ينتظرون هذه اللحظة ليعطوك الهدايا التي تليق بابن النظام الجديد كلامه هذا فيه نوع من التحذير وأخر من التبشير قلت له بابتسامة خفيفة قريبا إن شاء الله لم يعد لها سوى شهور قليلة ونضع مولودنا الجديد أطلق ضحكة عالية وهو يقول هذا المولود سيكون فأل خير عليك ولكن حاول أن لا تخطأ وأن لا نراك في مكان لا نرغب أن نراك فيه وأعاد ضحكة العالية وهو ينظر من النافذة طلبت الإذن منه في المغادرة فأشار لي بيده دون أن يلتف إلي وجعل رأسي تغلي في مكانها ماذا كان يقصد من كلامه هذا ولماذا أشم رائحة الغدر في ضحكته المقرفة لماذا؟؟…يتبع