… كانت الساعة الحائطية تجاوزت منتصف الليل بساعتين على الاقل بدى العياء واضحا على الشيكور العجوز وأحس بغصة مفاجئة تحبس انفاسه فقال لي وهو يتنفس بصعوبة ارجوك…..احضر لي……دواء القلب…..انه فوق الدولاب أسرعت الى الدولاب فوجدت كمية كبيرة من الادوية لم اعرف أيا منها دواء القلب فالتفت متسائلا وبادرني قائلا كانه ادرك سبب تيهي العلبة الزرقاء تلك اسرعت في اخراج حبات الدواء اعطيتها له مع كوب الماء شربها الشيخ بسرعة وبعد مدة قصيرة شعر بتحسن وعادت انفاسه الى طبيعتها عمي احمد اذهب الان واسترح ولنكمل حديثنا في الغد ان شاء الله اجابني وهو يستجمع قواه لا لا يا ولدي انا بخير الان واريد منك ان تصبر معي فحكايتي اوشكت على الانتهاء كما انني اشارف على الرحيل ولا احب ان اموت ويبقى سر من اسرار اللعبة القذرة التي يحيكها جنرالات الغدر مدسوس في صدري دون أن يعرفه الشعب البائس سجل يا ولدي سجل كل كلمة اقولها لك…..
كنت أبني ثروتي الهائلة من آلام ومعاناة الجزائريين بل حتى من فلذات اكبادهم فبعد ان التقيت بأحد كبار السماسرة المحنكين والغارقين في قذارة الخسة والغش اخذت منه كل ألاعيب والاسرار التي تجعل مني مقاوما ناجحا في إفراغ جيوب الفقراء واخد كل مقتنياتهم وفاشل في بناء ولو شقة واحدة سليمة من الغش والفساد وتستطيع ان تستمر في الصمود لمجرد شهر واحد…قمنا بالدعاية لإقامة سكنية جديدة ضخمة ولم يبخل القادة في الدعاية والاشهار لا من خلال القنوات التلفزية او الجرائد المحلية فمجال الاعلام بمعارضيه قبل مواليه مع النظام وملكا له…حققت الدعاية نجاحا باهرا وتوافد المواطنين البؤساء على مكاتبنا بشكل كبير كما تتوافد حشرات الضوء التي يجلبها ضوء النار فتذهب مسلوبة اليه تحلم بالنور وسط الظلام وبالدفئ في عز البرد لا تدرك المسكينة أن تلك النار المقدسة عندها هي هلاكها وموتها…
جنينا أموالا طائلة جعلت حسابات الجنرالات تتراقص بالأصفار الجديدة المضافة وجعلت ملاك الموت الذي جعل من الجزائر مقره المحبب والمفضل يحصد ارواحا جديدة ويهرق دماء المقهورين في واد الالهة الخبيثة مقدما قرابين جديدة ومعطيا إكسير الخلود لزمرة زبانية جهنم وللأسف الشديد محسوبين على الارض الطيبة ارض الجزائر…عند سقوط البنايات شعرت بخوف شديد لان المشروع كله كان تحت إسمي وكنت انا واجهته الاولى والمسؤول عنه ومالكه ايضا على الاقل في الاوراق الرسمية فحاولت الاختفاء لبضعة ايام وتجنب الانظار خوفا من ردة الفعل فكنت لا اخرج الا بالليل واحاول تجنب الاماكن العامة ولكني بصراحة فوجئت من ردة الفعل لأنه لم تكن هناك ردة فعل اصلا كأنما هذا الشعب الطيب تعود على الكوارث والمعاناة والموت او انه اصبح بلا شعور فردة فعل كهذه ليست مؤشر خير تماما فعندما يصل الانسان لمرحلة يرى من خلالها الربح كالخسارة والحياة كالموت ولم يعد لشيء عنده قيمة توقع أي شيئ منه فعندها يمكنه حرق نفسه والمنزل والمعمل والجزائر كلها فهو لم يعد لديه ما يخسره بكل بساطة…..
في تلك الاثناء كانت قد انتشرت ظاهرة الهجرة الغير الشرعية وامتلأت البلاد بأبناء الحبشة والافارقة من كل القارة السمراء آملين في الهروب من الفقر والموت والاوبئة وهل يمر هذا الحدث على السادة القادة دون أن يستغلوه ويركبوا على الموجة كيف لا وقد منحتهم الصحراء الحدودية عبيد جدد بالإضافة إلى العبيد الاصليين الذين يسيطرون عليهم فكانت الخطة الجهنمية كالتالي إرسال البعض منهم إلى مخيمات تندوف لإملاء الخيم الفارغة أو لضمهم في صفوف جبهة بوليساريو وذلك حتى يحين وقت تصديرهم للدول المجاورة كهدية وعربون محبة وحسن جوار وتجارة مربحة أيضا بحيث كل شخص إفريقي اراد العبور الى اي دولة مجاورة والحصول على فرصة في الهجرة الى اروبا عليه ان يدفع مبلغ مالي يتراوح ما بين خمسمائة أورو إلى ألف والباقي من الأفارقة يجعلونهم يعيثون في الارض فسادا وفوضى تحت انظار العسكر ومباركتهم نعم انها الفوضى المنظمة هي التي تجعل الشعب كالغريق في البحر ما إن يحاول أن يخرج رأسه من البحر لاستنشاق الهواء ورؤية الساحل تأتي موجة تعيد رأسه الماء وهكذا دواليك الى أن يغرق تماما….في الواقع حصلت على أموال وثروة تكفي ذريتي لأربعة أجيال يعيشون في بذخ وترف تام وبدأت من خلالها بشراء عقارات خارج البلاد في اروبا وحتى في امريكا الاتنية دائما ما يجب ان تضع خطة باء بديلة قبل ان يغرق المركب ويغرق معه كل الركاب…
جائني إتصال مفاجئ ذات يوم اخبرني في الضابط انني بصدد أكبر عملية لترويج الكوكايين في اروبا وفي شمال إفريقيا وأنه علي الاستعداد أنا ورجالي فعملية الاستلام ستتم بأحد الدول المجاورة لم يخبرني الضابط باسمها نظرا لأهمية هذه العملية الشيء الوحيد الذي قاله لي أن البضاعة ستأتي من أمريكا اللاتينية وبالضبط من كولومبيا وسترمى في صحراء دولة مجاورة وعلي ان اكون على اتم الاستعداد انا ورجالي وقال لي في الاخير اني سوف أمر على تندوف أولا لأخذ التعليمات الازمة وأخذ بعض الرجال والمساعدة من هناك….
تزامنا مع هذه الأحداث كان قد حان موعد وضع حورية وبدأت تشعر بالوجع والالم حينها نسيت كل هذه التعليمات والاوامر واخذت حورية و أمي وتوجهنا على وجه السرعة الى المستشفى العسكري وانا أسارع الزمن لنصل في الوقت المناسب…
لم اعد اشعر بشيء او ارى شيء ففكري كله مشغول لا اسمع سوى صوت كعب حذائي وانا اتنقل ذهابا وإيابا أمام غرفة العمليات في انتظار صرخة الطفل الاولى وبكائه المحبب أمي متوترة هي الاخرى تردد بعض الآيات وتدعو الله بالسلامة مر الوقت بطيئا جدا حتى كدت ان افقد هدوئي و هيبتي وحصانتي وأقلب هذه المستشفى رأسا على عقب….خرج الطبيب أخيرا من غرفة العمليات وانا لم اسمع بعد لا صرخة الطفل وهو يبكي او صرخة حورية وهي تضحك من السعادة ماذا هناك هذا الامر لا يبشر بالخير ابدا سألني الطبيب وهو قلق انت زوج السيدة حورية ؟ اجبته بانفعال اجل انا هو هل هناك مشكلة يا دكتور أخبرني بالله عليك نظرا الي متحسرا وهو يقول هل السيدة حورية تأخذ بعض أنواع المخدرات ؟ اجبته بحزم لا يا دكتور لا تأخذها عندها أجابني وهو متأثر للأسف لقد وجدنا في دم المولود مادة مخدرة ثم سكت قليلا وقال بصرامة وجدنا مادة الكوكايين في دم ولدك……….يتبع