قامت موقع “ميدل إيست آي” البريطاني بنشر تقرير مطول للكاتب عمرو خليفة تطرق فيه إلى الأوضاع التي تعيشها مصر في الوقت الحالي، خصوصا مع تغول تنظيم الدولة داعش الى دلتا النيل، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها القاهرة.
وقال الكاتب في مقاله :” مصر أصبحت تعاني من شكل من أشكال الإرهاب الفكري.. الناس ضد الناس، إن هذا ليس حكم (الأخ الأكبر)، إنه شكل آخر من عالم جورج أورويل في روايته 1984، ينهش روح مصر، والتلف يتسبب به ملايين (الإخوة الصغار)، الذين ينتشرون في الجسم السياسي المصري، داخل مصر وخارجها، ولا يحتاج الجيش لدخول البيوت ما دام أنه غزا عقول الناس”، مضيفا :” تخيل السيناريو الآتي: تجتمع مجموعة من المصريين في عمل ما، وقد يمثلون الطيف الذي يكون القوة العاملة المصرية: رجالا ونساء، مسلمين ومسيحين، شبابا وكبارا، متزوجين وعزابا، مسيسين ولا مبالين، ويبدأ الحديث، أحيانا بشكل عارض، وأحيانا متعمد، ويلمس الحديث مواضيع حساسة، مثل السياسة والاقتصاد، ولا تعلم المجموعة أن بينهم شخصا يتقن ما يتقنه النظام ومؤسساته الأمنية، وهو تحويل الخلاف السياسي إلى جريمة خيانة.. ولا يقوم هذا الشخص بإخبار الشرطة، لكنه يقوم بلي عنق الخطاب، بل يسممه”.
وتابع خليفة : “في مصر الحديثة كانت هناك آذان للجدران، لكن ومنذ ثورة 2011 زادت هذه الآذان بالملايين، عندما اختار شخص في مرحلة ما من حياته أن يكون مخبرا لفائدة شخصية أو لشعور خاطئ، مبررا ذلك بأنه واجب وطني، الشخصية المضادة للبطل في هذه المجموعة الخيالية، يختار هذا الشخص أن يبقى بعقلية مصر، الدولة الشرطية، فالنظام يقول (طريقتي ولا طريقة غيرها)، وكذلك هذا الرجل أو المرأة”، مؤكدا :” بناء عليه، يصبح من ينتقد النظام، بغض النظر إن كان رجلا أو امرأة، مسلما أو مسيحيا، كبيرا أو صغيرا، بحسب تعريف عقلية المخبر ءودون شكء إما إخوان مسلمين أو خائن.. وكلاهما يحمل المعنى ذاته في تلك العقول”.
واستدرك الكاتب :” وما لا يخطر ببال تلك العقول هو احتمال وجود مجموعات أخرى في المجتمع خارج المعسكر الإسلامي، التي قد تكون أكثر نقدا للرئيس المصري، او مجموعات أخرى مختلفة، يؤيدونه لأسباب مختلفة، وليس أقل خطورة من هذا المنطق الثنائي الاختزالي الذي يعني إما معنا أو ضدنا، هو الشعور الغريزي بالرغبة في ضرر (الآخر)، ولكون المخبر لا يستطيع سجن الآخر أو الإضرار به، فإن هدفه يصبح الإضرار بسمعة الهدف الاجتماعية”، مشيرا :” الصمت هو الهدف، والخوف والإرهاب الفكري هما الأداة، دولة يفكر فيها الناس مرتين قبل الاختلاف مع الأغلبية، ويصبح الأخ الأصغر هنا كصخرة كبيرة تجثم على الرئتين، جاهزة لسحب الهواء منهما، وفي مصر وخارجها أصبح الخوف من (الأخ الصغير) حيا وبخير؛ لأن الجيش والأمن جعلا عودته مهمتهما التي لا تردد فيها”.
وبين الكاتب:” هذه الظاهرة أصبحت جزأ لا يتجزأ من ديناميكية أخرى اجتاحت مصر، وبدرجات مختلفة بلدانا كثيرة أخرى، وهي ليست محدودة في مكان العمل أو البيت، لكن كل ما يحمل هوية مصرية في الفضاء السايبري (عالم الإنترنت) أيضا، وهي موجودة بكثرة في (فيسبوك) و(تويتر)، فبدلا من العنف الجسدي تمارس الوحشية الشفوية من المعسكرات السياسية والاجتماعية كلها لإسكات الصوت الآخر”، مواصلا :” هذا الأمر ليس مقصورا على المعسكر الموالي للحكومة، بل إن الثوريين واليساريين والإسلاميين والسلفيين والعلمانيين، كلهم مذنب في جريمة معقدة، هي (التمييز ضد الآخر)، بمحاولة إسكات أولئك الذين يختلفون معهم، والشتم والهجوم بالقوة بدلا من الحوار”.