تعيش بلادنا واقعا سياسيا واقتصاديا صعب يكاد يضع المجتمع على حافة الهاوية بسبب سوء الأحوال المعيشية والنقص في بعض المواد الأساسية والغذائية على خلفية الهبوط الحاد في أسعار النفط الذي يعتبر محرك النشاط الاقتصادي في البلاد وتعاني بلادنا من مأزق كبير بعد تراجع عائداتها من صادراتها النفطية حيث أدت الأزمة الاقتصادية إلى انخفاض قيمة العملة الرئيسية للبلاد بشكل حاد حيث فقد الدينار تقريبا ثلتي قيمته أمام الدولار الأمريكي فمنذ بداية العام وحسب أسعار السوق السوداء انخفض بنسبة 68% أمام العملة الأمريكية.
التضخم بالمعنى الاقتصادي هو ضعف القوة الشرائية للعملة فإذا كان عشر وحدات من عملة البلد تشتري كيلو غرام من اللحم أو دجاجتين في الزمن الحاضر ثم ضعفت القيمة الشرائية للعملة بعد سنة وأصبح ثمن كيلو اللحم أو قيمة الدجاجتين ما يعادل خمس عشرة وحدة من وحدات العملة المحلية فهذا يعني أن التضخم حدث بمعدل كبير وهو 50% لذا فإن المستثمر الذي ربط أمواله لفترة طويلة بعائد مقبول لديه وقت بداية الاستثمار أصبح خاسرا ليس بسبب سوء اختياره لقناة الاستثمار بل لأن عاملا آخر وهو التضخم قد قضى على قدر كبير من قيمة استثماره والتضخم أمر لا بد منه فالأشياء ترتفع أسعارها فبذلك تقل قيمة النقود أمام السلع فما كان الإنسان يشتريه منذ ثلاث سنوات بمبلغ 20 دولارا مثلا فإنه الآن غالبا ما يكون بخمسة وعشرين دولارا وهذا هو التضخم المقبول والمعقول والمتوقع وجوده يكون صغير المقدار وقد لا يتجاوز نصفا في المائة أو واحدا في المائة في العام عندما يكون الوضع الاقتصادي للبلد سليما وصحيحا. علما بأن تضخما في حدود 1-2% لا يمكن اعتباره نذير سوء ولكن في حالة تجاوز معدل التضخم لهذا المعدل فإن هذا يعني وجود خلل اقتصادي كبير وهذا ما يقع لنا حيث ارتفعت وتيرة التضخم في الجزائر إلى قرابة 6 % خلال شهر أوت 2017 والتضخم أنواع والنوع الذي أصاب بلادنا هو التضخم الجامح ويظهر هذا النوع من التضخم بوضوح في البلدان التي تتسم باختلال في هياكلها الإنتاجية وفقدان التوازن والتناسب في معدلات النمو بين القطاعات الاقتصادية. وهذا النوع من التضخم غالباً ما يصيب البلدان النامية والمتخلفة التي تضع خططاً تنموية طموحة لا تتناسب مع مواردها الاقتصادية والمالية مما يضطرها إلى زيادة الإصدار النقدي والائتمان المصرفي لتشجيع الاستثمار مما يؤدي إلى زيادة الطلب على عوامل الإنتاج ومن ثمّ ارتفاع الأسعار وتكلفة الإنتاج ومن ناحية أخرى فإن زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية لتلبية الحاجات الفردية المتنامية تسهم في ظهور التضخم الجامح الذي يتجلى بتزايد أو ارتفاع معدلاته وبوتيرة سريعة. وبسبب ضعف الجهاز الإنتاجي وتنامي الإصدار النقدي بمعدلات تتجاوز معدلات نمو الإنتاج فإن القيمة الشرائية للنقود تتجه إلى الانخفاض بشكل جامح أحياناً مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة لفئات واسعة من المجتمع مما يساعد في حدوث ذلك ضعف التنظيم النقابي وغياب قوانين الحماية الاجتماعية ضد البطالة والتهميش الاجتماعي.
ينجم عن التضخم نتائج خطيرة أحياناً ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية ومن النتائج الاقتصادية للتضخم انخفاض قيمة العملة الوطنية بحيث يفقد النقد وظيفته كمقياس للقيمة وحافظ للثروة ومحفز للادخار مما يؤثر ذلك سلبياً على عملية الاستثمار ومن ثمّ التوسع في عملية الإنتاج الاجتماعي. فضلاً عن أن انخفاض قيمة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية يؤدي إلى تشويه العلاقات الاقتصادية والنقدية مع العالم الخارجي ويترك بصماته السيئة على ميزان المدفوعات وازدياد معدل الاعتماد على الديون الخارجية وتعميق علاقات التبعية إلى السوق العالمية والوقوع تحت سيطرة الاحتكارات الأجنبية وفي العديد من الحالات تكون النتائج الاجتماعية أكثر خطورة من النتائج الاقتصادية للتضخم وما يتبع ذلك من مخاطر على الاستقرار السياسي. من النتائج الاجتماعية الخلل الذي يصيب البنية الاجتماعية نتيجة إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفئات الغنية في المجتمع بفعل آلية التضخم إضافة إلى انخفاض المستوى الاستهلاكي لدى فئات الدخل المحدود الذين يشكلون غالبية السكان وما يرافق ذلك من انخفاض في معدلات الطلب على السلع الاستهلاكية حتّى يصبح فيها الركود الاقتصادي مهدداً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومنذر بانفجار اجتماعي.