يبدو أن الخسائر الكبيرة التي تكبدها العالم العربي لم تقتصر على أرواح الناس بعد الحروب التي تعرفها المنطقة منذ عقود، ولكن الأمر تطور كثيرا نحو تدمير الآثار التاريخية النادرة.
وقالت مجلة “إيكونوميست” في مقال لها إن الشرق الأوسط أصبح أنقاضا هنا وهناك، وتدمير آثاره لا يتحمل مسئوليته الجهاديون وحدهم، مضيفة :” فقبل ألف عام، أمر حاكم القاهرة المجنون بتدمير كافة الكنائس – بما في ذلك الضريح المقدس في القدس، وهو مرقد السيد المسيح. وغزا المغول بغداد، وارتكبوا مذابح بشعة وأتلفوا كل الكتب بقذفها في نهر دجلة مما تسبب في تحول مياهه إلى اللون الأسود. ودمر تيمورلنك كل شيء سوى المستشفيات والمساجد فيما أطلق عليه أحد المؤرخين اسم «حج التدمير» لمدن المنطقة العظيمة. وتحققت نبوءة ياحوم – النبي الإنجيلي – بدمار نينوى على أيدي البابليين”، مستدركة :” الدمار الذي شهدته المنطقة في السنوات الثلاث الأخيرة لا يُضاهى – تقول المجلة – فوفقًا للأمم المتحدة، دُمرت نصف مدينة الموصل في العراق، وثُلث المدينة القديمة في حلب في سوريا. جرى تدمير مئات المآذن والأديرة والتماثيل”.
وتابعت الجريدة :” عناصر الدولة الإسلامية يضخمون من مسئوليتهم عن ذلك الدمار. فقد صوروا أنفسهم وهم يدمرون معابد تاريخية ومساجد وكنائس، هم لا يغضبون من اتهامات أعدائهم لهم بالتسبب في تدمير تاريخ المنطقة. وهو ما أكده قائد قوات التحالف في الموصل – الجنرال جوزيف مارتن – بعد أن دمر الجهاديون مئذنة جامع النوري التاريخية”، قبل أن تستدرك :” الأمريكيين والروس – ومن ورائهم حلفاؤهم على الأرض – قد تسببوا في دمار هائل مثل الجهاديين. تشير بيانات المدارس الأمريكية للبحث الشرقي أن تنظيم الدولة دمر 15 موقعًا في الموصل، بينما دمر التحالف الدولي 47 موقعًا خلال عملية استعادة المدينة. وقام الديكتاتور بشار الأسد – بمساعدة من حلفائه الروس – بتدمير الأعمدة التاريخية التي تعبد عندها سمعان العمودي – الراهب السوري الشهير الذي عاش في القرن الرابع الميلادي. ولم تسلم المواقع التاريخية في سوريا من البراميل المتفجرة التي يلقيها نظام الأسد، ولا من متفجرات المتمردين المدعومين من الغرب”.
وأشارت “ليكونوميست” :”قدم المجلس الدولي للمتاحف قائمة بالمواقع التراثية في ليبيا وإحداثياتها لحلف الناتو لتجنب قصفها. لكن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن كان أقل دقة مع القائمة التي تلقاها؛ إذ استهدفت غارات جوية المتحف الوطني في ذمار، الذي يضم 12500 من القطع الأثرية، وكذلك السد العظيم في مأرب – إحدى عجائب الهندسة القديمة – ومجمع القاسمي المكون من أبراج مشيدة من الطوب الطيني في مدينة صنعاء القديمة. وترى هانا بينوك – المديرة السابقة أن أفضل حماية للقطع الأثرية هو بتركها تحت الأرض”، متابعة :” تزداد الضغوط على المجتمع الدولي للعمل على إنقاذ التراث في المنطقة. ففي مارس الماضي – يضيف التقرير – أكد مجلس الأمن أن الهجمات على المواقع الثقافية تعد جريمة حرب. وفي سبتمبر، أقر أحمد الفقي المهدي بالذنب في المحكمة الجنائية الدولية بجرائم التدمير الثقافي في مالي، إذ اعترف بتلقيه أوامر بتفجير الأضرحة الإسلامية في تمبكتو. ومن المتوقع أن يقر قضاة المحكمة الجنائية الدولية تعويضات (لا يعرف من سيدفعها)، مما يشكل سابقة لمطالبات مماثلة في مواقع التراث الأخرى”.
وختم التقرير بالقول :” إعادة الإعمار تكون في كثير من الأحيان كناية عن مزيد من التدمير إن انتقد خبراء الآثار طريقة إعادة ترميم الكنوز المدفونة تحت بيروت بعد حربها الأهلية. بدأت بالفعل عمليات التنقيب عن الكنوز في حلب، التي غالبًا ما يقوم بها رجال الأسد. ربما يجري إنقاذ بعض الكنوز ولعل الأضواء الكاشفة تعود إلى قلعة المدينة الرائعة التي تعود للقرن الـ12. ومن المفترض أن يعود برج الساعة القديم في المدينة القديمة للعمل قريبًا للمرة الأولى منذ ست سنوات. وربما يجري ترميم بعض الواجهات أيضًا. ولكن أساسات البرج التي قد تُرفع قريبًا على المدينة سوف تمزق طبقات موقع أثري يبلغ من العمر 8 آلاف سنة. فالجرافات يمكن أن تكون أكثر ضررًا من الدبابات”.