نطق قاضي قسم الجنح لدى محكمة القل بولاية سكيكدة، أمس، بالأحكام الصادرة في حق المتهمين في قضية اختلاس الأموال من مستشفى “عبد القادر نطور” بالقل وتحويلها إلى حسابات أشخاص آخرين.
حيث تمت إدانة المتهمة الرئيسية “ك.م” البالغة من العمر 33 سنة والتي تعمل رئيسة بمصلحة الرصيد بمستشفى “عبد القادر نطور”، بتهمتي اختلاس أموال عمومية، وجنحة إتلاف وثائق إدارية والحكم عليها بست سنوات حبسا نافذا مع غرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري، والعزل من كافة المناصب التي لها علاقة بالقضية، فيما تم إدانة والدها “ف.م” البالغ من العمر 58 سنة، والذي يشغل منصب أمين خزينة قباضة الضرائب ما بين البلديات، بتهمة المشاركة في اختلاس أموال عمومية والحكم عليه بخمس سنوات حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري، كما تمت إدانة شقيقتها الطالبة الجامعية “م.ف” البالغ من العمر 24 سنة، بتهم إخفاء جزء من الأموال المختلسة والحكم عليها بثلاث سنوات حبسا نافذا، فيما تمت إدانة المتهم الرابع “ب.ع.ن” البالغ من العمر 40 سنة، وهو الوحيد من خارج العائلة، حيث يعمل بمصلحة الرصيد بتهمة عدم التبليغ عن جرائم الفساد والحكم عليه بثلاث سنوات حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار جزائري، مع إلزامهم جميعا بدفع مبلغ مليون دينار بالتضامن بينهم كتعويض لمديرية الصحة.
وتعود تفاصيل هذه القضية، التي شغلت سكان مدينة القل والمنتسبين لقطاع الصحة بولاية سكيكدة، إلى شهر جانفي من السنة الجارية، عندما فتحت الفرقة الاقتصادية والمالية للشرطة القضائية تحقيقا حول تحويل أموال العطل المرضية والخاصة بعمال مستشفى “نطور” إلى حسابات المتهمة الأولى “ك.م” وشقيقتها “ف.م” التي بلغت أزيد من مليار سنتيم ليتم على إثر ذلك تحديد المسؤوليات وتوجيه أصابع الاتهام إلى رئيسة مصلحة الرصيد بالمستشفى وباقي المتهمين الذين تم تقديمهم أمام العدالة بغرض محاكمتهم.
وخلال جلسة المحاكمة، التي شهدت حضور 10 شهود وهم مدراء سابقون ورؤساء مصالح وموظفون بمستشفى “عبد القادر نطور” بالقل وبالقباضة، صرحت المتهمة الرئيسية “ك.م” أنها كانت تعمل مع عصابة، وأن المتهم “ب.ع” زميلها بالمكتب هو من ورطها في القضية، حيث قام بتحويل جزء من المال لحسابها ليورطها حيث قال لها، وحسب ما جاء على لسانها، إنها شريكته في الاختلاس، وهذا حتى تصمت عن ممارساته المشبوهة، مؤكدة أنها أخبرت المدير السابق “ق.ن” بهذه التجاوزات وطلبت منه تحويلها من المصلحة أو الانتداب لأي مصلحة أخرى، غير أنه رفض، وأضافت أنه وبعد الضغوطات التي مورست عليها رضخت، مضيفة أنها تعتبر نفسها ضحية وليست متهمة.
غير أن زميلها في المكتب “ب.ع.ن” نفى ما قالته المتهمة الأولى، وقال بأنها تريد الانتقام منه، لأنها مقتنعة بأنه هو من تقدّم بشكوى في حقها، وكشف جرائمها، على حد تعبيره، فهي رئيسة مصلحة والمعدة الوحيدة لكشف الرواتب، والكل يعلم، حسبه، بأنه من صلاحياتها الإشراف على العمليات المالية من بدايتها إلى نهايتها. كما أنه هو من اكتشف عمليات الاختلاس والتي كانت تتم منذ سنة 2022، حيث توجّه في شهر ماي من السنة الماضية إلى مكتب البريد وطلب من عون هناك يدعى “ك.و”، تسليمه كشف حساب المتهمة، مدعيا أنها زوجته وبالفعل حصل عليه، ووجد أن عدة عمليات تحويل تمت في حسابها وبلغت أزيد من ستة ملايين دينار، ليطلب منها إعادة المبلغ المالي حتى لا تضطره للتبليغ، فوعدته أن تفعل ذلك، لكنها أخلفت الوعد وواصلت عمليات الاختلاس إلى غاية شهر أوت من سنة 2024. وعندما سألته النيابة عن عدم تبليغه لمدة 7 أشهر كاملة، أي منذ تاريخ تأكده من أن “ك.م” كانت تحوّل مبالغ طائلة لحساباتها، أجاب أنها زميلته ولم يرد الإضرار بها، حيث كان يأمل أن تسوي وضعيتها المالية.
المتهمة “م.ف”، شقيقة المتهمة الرئيسية، التي عثر في حسابها على مبلغ يفوق 495 مليون سنتيم، صرحت أنها لم تكن على علم أن شقيقتها كانت تستغل حسابها لصب الأموال المختلسة وأنها لم تكن تطلّع على الرسائل النصية التي تصلها من البريد كإشعار عن أي معاملة مالية كالسحب أو الإيداع، كما أن البطاقة “الذهبية” والصك البريدي عثر عليهما بحوزة شقيقتها أثناء تفتيشها.
أما والد المتهمتين الذي دارت حوله الشبهات بحكم منصبه كأمين للخزينة لأنه المراقب المالي لكشوفات الرواتب الخاصة بعمال المستشفى وأيضا موظفي البلديات، فقد نفى تماما هذا الاتهام، مؤكدا أن دوره يقتصر على مراجعة المبلغ المالي الإجمالي ومطابقته مع القيمة الإجمالية للمبلغ، بالإضافة إلى أن هناك موظفين بالخزينة يقومون أيضا بمراجعة الكشوفات.
وأما عن سبب عدم الرجوع للقرص المضغوط المرفق دائما بالكشف العام، فقال بأن القباضة لا تملك التطبيق الخاص باستغلال ذلك النوع من الأقراص، وقد طلب من المديرية العامة للضرائب تزويده بالتطبيق لكنها تأخرت في الرد، وكل القباضة تعمل بهذا النظام، مضيفا بأنه لم يخطر بباله ولو للحظة أن تقوم ابنته بتحويل أموال المؤسسة التي تعمل بها لحسابها وحساب شقيقتها، مؤكدا بأنه لم يقترف أي جريمة، والدليل أنه، وعلى خلفية القضية، قامت لجنة تفتيش مالية بمراجعة كل العمليات منذ توليه المنصب، ولم تجد أي خطأ أو ثغرة مالية، بل بالعكس، فقد تمت ترقيته رغم أنه محبوس منذ سبعة أشهر، ولم يتم توقيفه من العمل.
وبعد سماع الشهود ومرافعات النيابة وهيئة الدفاع التي صبّت في مجملها حول تحميل المسؤولية لإدارة المستشفى التي لم تتفطن لعملية الاختلاس، نطق رئيس الجلسة بإدانة جميع المتهمين الأربعة بالأحكام السالف ذكرها.
