والغريب في الأمر أن أصوات الرصاص كان يمكن سماعها من قبل عساكر الحاجزين ولكن لم يتم تقديم أي مساعدة لموكب العقيد وهذا طرح عدة تساؤلات ولكنها اللعبة فيها كل شيء انتهت العملية بدون خسائر وعدنا إلى وفي الليل وأنا نائم جاء عندي رفيق وهو في هلع ووجه يتسبب عرقا وقال انهض يا أخي فالأمر خطير جدا استيقظت مفزوعا وقلت له ماذا هناك يا أخي فقال لي سنتكلم في الطريق انهض أولا نهضت وأنا أقول مع نفسي هل هناك هجوم كاسح للجيش على المعسكر أم ماذا ابتعدنا قليلا عن المعسكر وقال لي اسمع يا أخي يقال أن شخص ما من المتعاطفين مع الجبهة !!! كان يراقب العملية الأخيرة من بعيد وقد شاهدك بواسطة المنظار العسكري وتعرف عليك وأرسل رسالة مع احد الأشخاص يقول فيها انك عين الجيش على المجاهدين وانك من كبار الوشاة الذين يشتغلون مع الجيش ولهذا يجب إعدامك في اقرب وقت وأنا يا أخي لما سمعت هذا الكلام بالصدفة قلت أن أخبرك فأنا أثق فيك واعرف أن ما قيل عنك كذب في هذه اللحظة انحنيت على ركبتي ووضعت كلتا يداي على وجهي.
….أسئلة كثيرة تدور في رأسي فأنا لا يعرف وجهي سوى (M.M ) فهل هو من كان يراقب العملية وان لم يكن هو فمن يكون وكيف عرف وجهي وكيف سأهرب من هذا الجحيم وأنا بهذا اللباس وهذه اللحية الطويلة ففي أول حاجز سأصادفه سيتم إطلاق الرصاص علي والأموال الكبيرة التي اخبأها كيف أصل لها وماذا سيكون مصيرها إن قُتِلتْ فأحسست بالإرهاق والفشل وان حجم العالم كله يساوي حجم علبة كبريت وفي خضم هذا البحر من الأفكار وهذه الأبواب المغلقة مسكني أخي رفيق من كتفي ورفعني بقوة إلى أعلى لأقف على رجلي وقال لي وهو يصرخ في وجهي أنت رجل وهذا ليس الوقت لأن تتحسر وتندم مثل النساء فلا تقلق كل الأمور ستكون بخير اسمعني جيدا ستأخذ هده الطريق المختصرة وعلى بعد 5 كلم ستجد بيت قريب من طريق السيار يقطن به شخص عجوز ستلقي عليه السلام وستقول له يا شيخنا (الأرض جفت والشجر بحاجة إلى الماء ) سيرحب بك ويجهز لك الحمام لتستحم وسيعطيك ملابس جديدة وسيطعمك وفي أخير سيعطيك مفاتيح سيارة مخبئ عنده هذا العجوز يعمل معنا وإذا كانت الجماعة تحتاج للدواء أو أي شيء أخر نبعت أي فرد منا بنفس الطريقة إلى العجوز يحلق لحيته ويذهب وسط المدينة ليشتري لنا الأغراض المهمة التي تنقصنا أو ينقل خبر لشخص ما المهم نستعمل هذه الطريقة مع العجوز للضرورة القصوى هيا اذهب وأنا سأحاول تضليل الجماعة عندما يبدؤون البحث عنك سأرشدهم إلى عكس الاتجاه الذي سلكته هيا يا أخي توكل على الله وقبل إن أودعك يا أخي هذا عنوان عائلتي إن بقيت على قيد الحياة وحالفك الحظ طلب بسيط أن تمر عليهم واخبر أمي أني بخير وأنت تعرف أخي أن الشيخ المفاوض قال لنا أن هناك ترتيبات لقانون الوفاق المدني وسيتم المصادقة على هذا القانون من طرف الرئيس الجديد وأتمنى من الله إلى ذلك الحين أن أكون على قيد الحياة فأنا مند 5 سنوات لم أرى أمي أتمنى أن أراها قبل أن أموت لذلك بالله عليك مُرْ عليها وأبلغها سلامي وأن في القريب العاجل سأراها عانقته بشدة وقلت له اقسم بالله يا أخي زيارة أسرتك دين في رقبتي اطمأن توادعنا وأنا نزلت اجري في المنحدر المختصر أسابق الريح وأحس أني ولدت من جديد واشكر الله أن ما بين الإنحاء والوقوف فتحت جميع الأبواب.
….وصلت عند العجوز طبقت كل ما قاله لي رفيق ركبت السيارة وبعد ساعة من سياقة أوقفني أول حاجز لم أكن خائفا أو مرتبكا بل على العكس كنت سعيد ففي كل هذه المدة العصيبة كانت لي خبرة في تعامل مع الحواجز تبادلت المزاح مع بعض العساكر واتجهت إلى حيث أخبئ ثروتي وصلت للبيت المهجور ذهبت نحو المكان السري أخرجت حقي الصغير من كعكة الوطن رغم انه صغير جدا بمقارنة مع ما يأخذونه هم ولكن على اقل أخذت نصيبي أخذت الثلثين والثلث قسمته إلى أربعة أجزاء ومن ثم أول شيء قمت به زرت عائلة أخي النمس وأعطيتهم حقهم من الكعكة ثم تبعتها بعائلة قادر وأعطيتهم نصيبهم ثم عائلة عمي احمد البقال والذي فرح عندما راني أعطيته نصيبه وقلت له عمي احمد إن سالك أي شخص عني قله انك سمعت أخبار تقول أني قتلت مع الإرهابيين في الجبال فقال لي لك ما أردت يا بني ولا تنسى أن تبلغ سلامي لأمك ولأخوتك ودعته واتجهت نحو أسرة أخي رفيق ويا للمصيبة فعندما وصلت اخبروني إخوته أن أمهم ماتت بالحسرة على فراق رفيق صدمت كثيرا وحزنت لهذا الخبر ثم طلبوا مني الدخول للجلوس مع أبيهم جلسنا وقلت لأب رفيق اسمع يا عمي أنا صديق رفيق وقد بعتني إليكم لأخبركم انه بخير ويقول لكم إذا سارت الأمور كما ينبغي فسوف يراكم في القريب العاجل إنشاء الله وقبل أن أغادركم فقد بعت لكم رفيق هذا المبلغ من المال وهنا رأيت الفرحة في عيونهم والسعادة تملئ البيت فمثل أسرة رفيق يوجد منها الآلاف في هذا الوطن اسر فقير ولكن يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ هنا تمنيت أن أكون مكان من يحكموننا لأوزع كعكة الوطن على جميع الأسر الجزائرية بالعدل.
بعدما أديت واجبي اتجهت نحو الشرق عند الأسرة التقيت والدتي وإخوتي فرحنا جميعا وبعد أسبوع أخبرتهم بالقرار الذي اتخذته وقلت لهم سنترك الوطن ونغادر خارج البلاد طلبت من احد المقربين من السلطة في الشرق أن يجلب لي 5 جوازات مزورة بطريقة احترافية لم تمر إلا 10 أيام حتى كانت الجوازات موجودة آنذاك سافرنا إلى ايطاليا ولماذا ايطاليا لأن الجالية الجزائرية هناك صغيرة بالمقارنة مع فرنسا ولا أريد أن أقع في المشاكل وعند صعودي للطائرة جلس بجانبي احد المفكرين الذين يكرهم النظام وبمجرد أن صعدت الطائرة إلى السماء نظر من النافدة إلى الوطن وبدأ يقول
هي الجزائر الحبيبة أو الرهيبة سمها ما شئت
هي في عيني عذراء يتهافت عليها الغرب والغجر
وهي في عينهم عذراء عرضها مباح لكل البشر
شرِبت حبها مند طفولة حليبا خالصا
لكن بعد مدة تحول الحليب دما جامدا
جبالها الشاهقة متاهة للعشاق
وبحورها الغارقة قبر لشباب الحارق
خبزها حاف ومرقها مرّ
دموع العجائز والأرامل واليتامى
لعنات تنزل على رؤوس حراميها
فقديما قالوا حاميها حراميها
وحراميها هؤلاء لا يشبعون من اغتصابها
صباح مساء بل يتناوبون عليها بكل قذارة
كل ليلة وكل أسبوع وكل شهر بل طول الدهر
وهي مازالت عذراء رغما عنهم وعني
فعليك مني السلام يا جزائر الحبيبة
ما ناح الحمام وسال المداد
ففيك رأيت الموت الأزرق أكثر من مرة
وتمنيت الإنتحار كل مرة
لكنك غرست خنجر العشق في صدري بل في قلبي
فلا أريد أن أنجب أطفالي على أرضك
ولا أن أدفن في ترابك
ولا أن أظل تحت سمائك
فأنا وأنت علاقتنا محرمة وحدود مكهربة
فلا ضوء غلب الظلام ولا الحليب غلب الفطام
فعليك مني السلام يا أرض أجدادي