……في التسعينات عرف المجتمع تناقض كبير بين ما يريده الجنرالات وبين ما تريده الجبهة مما اثر على ممارسات الحقيقية للفرد داخل المجتمع وتمخض عن ذلك مشكلة كبيرة أدت إلى زعزعة الثقة في النظام العائلي والاجتماعي فالطالب الشاب يتلقّى موروثاً ضخماً من التعاليم الدينية والقيم الحياتية ثم يجد ما ينافي ذلك في البيت أولاً ثم المدرسة نفسها ثم المجتمع فكان ذلك من أعظم أسباب الحيرة التي عانى منها شباب التسعينات. وهذا التناقض في المجتمع هو تناقض بين ما ورثوه وبين ما يعيشونه وبين ما يُلقّنونه تلقيناً وبين ما يطلبه علماء الدين هذا التناقض العجيب الذي سلط على المجتمع في التسعينات هو السر في هذه الحيرة المُردِية التي يعيشها جيل اليوم وللأسف فإن هذا التناقض عمّ مجالات الحياة كلها ويستباح في مجال السياسة والعلاقات العامة ويغلّف المظاهر الاجتماعية والممارسات الرسميّة والشعبية. وأكثر التناقضات أثراً في نفوس الشباب وتدميراً لها تناقض الأقوال والأفعال عندما تكون صادرة من الآباء والمربين والقادة والموجهين ومن مظاهره ما يتمثل بالتناقض في تيارات المجتمع بين من (الجبهة) يتمسكون بالإسلام ويرون في العودة بالمجتمع إلى الصورة القديمة إنقاذاً من الهلاك دون النظر إلى معطيات الحياة وتغييرات المجتمع. وبين (الجنرالات) من يحاربون كل دعوة للارتباط بالماضي بتراثه ودينه وتغليف الانحلال الأخلاقي بالحداثة مكان ذلك ظناً بأنّ هذه الحداثة قادرة على إزالة الإسلام وقادرة على ملء الفراغ الذي يظنون إمكانية ملئه دون الغيبيات والروحانيات وقد يكون إعجاب هؤلاء بالحضارة الغربية ونمط الحياة فيها وأساليبها مساوياً لرفض أولئك لكل ما وصل إلى الجزائريين من خارج مجتمعهم.
من أكثر الأشياء التي كانت تضحكني أن بعض المواطنين تصادفهم بالليل في الملاهي والحانات وبعد مدة تصادفهم بالصباح في الأحياء الشعبية التي تسيطر عليها الجبهة وهم يرفعون شعارات تتوعد السكارى والمدمنين فكنت اسلم على احدهم وأقول له في المساء نلتقي عند الشيخ مجيد فأترك من حوله يسألونه من هذا الشيخ مجيد ونريد الذهاب معك لحضور دروسه ومجيد هذا كان يشتغل (بارمان) في احد الملاهي كنت اضحك كثيرا من هذا التناقض لدرجة أن هناك أستاذ للفلسفة معروف بين الطلبة بإلحاده ولكنه في كل صلاة الجمعة تجده في الصفوف الأمامية ونحن أيضا كنا وسط هذا التناقض ووسط هذه الأمواج العاتية.
…صراحة وبعد الأمان الذي أعطانا إياه العجوز تغيرت أحوال تجارتنا تماما فرفعت عن الجبايات والضرائب وحتى الاقتطاعات الصغيرة بل إن حتى الضباط بدؤوا يعاملونا برفق ومودة كأننا عناصر مهمة تعمل معهم فكنا نعيتوا في الأرض فسادا ولا احد يوقفنا أو يسألنا عن ماذا نصنع فالنمس أصبح زير نساء ومعروف بين أصحاب محلات الملابس انه يقيم علاقات مع العزباء والمتزوجة والمطلقة والقاصر فبسبب الحالة الاقتصادية للبلاد كان يشتريهن بالملابس يمنحها لهم مجانا أو بالأوراق المالية فقمة الانحلال كانت في زمن التشدد !!! أما قادر فازدهرت ورشته وأضاف ورشة أخرى واشترى سيارة فاخرة من احد الضباط وأصبح شريكا وهو وذلك الضابط يتاجرون في قطع الغيار المهربة والسيارات المسروقة ويقومون بتزوير أوراق السيارات وبيع الزيت المغشوش على انه زيت أصلي وكان ذلك يدر عليهم المال الوفير قادر في الواجهة والضابط يحل المشاكل أما أنا فكان همي الوحيد هو جمع المال وتخزينه فلا أريد أن اسقط في الفخ الذي سقط فيه الملياردير رحال والذي اغتيل بطريقة بشعة لأنني كنت اعرف أن ساعة رحيلي آتية لا محال فنحن كحصان الرهان عند الجنرالات فما أن يكسر قدم الحصان أو يضعف إلا وتتم تصفيته بالرصاص هكذا نحن ما إن ينتهي دورنا في اللعبة إلا وستتم تصفيتنا كالنعاج لهذا كنت اخطط للهروب ولكني كنت انتظر أن احمل معي من الغلة ما يغنيني عن العجوز يحيى وعن جنرالاته بل عن الجزائر كلها فكنت أرسل المال إلى أمي وأخبئ الباقي عندي وانتظر العملية الآتية في أي وقت فالعجوز قد اشترط علينا للحصول على الثروة والمال والأمان يجب أن نكون مستعدين للعمليات في أي وقت وأي مكان.
وذات صباح أتفاجأ بعمي احمد البقال وهو يدق جرس بيتي الجديد الذي اشتريته وعيناه مليئة بالدموع خرجت عنده وأنا فزع وخائف فأول ما تبادر لذهني أمي وإخوتي لكن عمي احمد البقال قال لي أغتني يا ابني فأنا في مصيبة عظمى قلت له طمني يا عمي ماذا حدث أأصاب أمي وإخوتي مكروه فأجابني لا يا بني اطمئن بل أبنائي محمد وحفيظ تم القبض عليهم ليلة البارحة من طرف العسكر فقلت له وماذا فعلوا ليقبضوا عليهم فقال لي أنهم خرجوا في الليل أثناء حظر التجوال فقلت له ولماذا يعصون الأوامر ويخرجوا في ذلك الوقت أجابني أنهم كانوا عند احد الأقارب لحضور زفاف عنده وتأخروا في الرجوع فقلت في نفسي هؤلاء الملاعين لا يعرفون عرس ولا جنازة ارجوا أن أجد عند الذئب العجوز حلا لهذه المشكلة فهؤلاء أبناء حارتنا وتربوا معي وأخوهم الكبير يشتغل معي في المقهى فقلت لعمي احمد البقال أمهلني بعض الوقت ولن يكون إلا الخير فلدي بعض الأصدقاء يعملون في السلطة ونتمنى أن ندرك الموقف قبل أن يتم استجوابهم .
ذهبت مباشرة إلى يحيى الذي وجدته في منزله نائما أصريت على أن يوقظوه لي فالأمر قد تزهق فيه أرواح شبان أبرياء فخرج عندي وهو مقطب حاجبيه أهذا أنت أي ريح رمتك عندنا بل أي عاصفة رمتك قلت له اعلم أيها العجوز أني لم أتي إلى هنا لأتملى في جمالك الباهي بل إن شابان من أسرتي القي القبض عليهما البارحة أثناء حظر التجوال وأريد منك أن تتدخل حتى نقوم بإخراجهم وهنا ابتسم العجوز ابتسامته المقيتة وقال كل عمل له ثمن وفي هذه البلاد لا توجد خدمة في سبيل الله تذكرت عمي احمد والدموع في عينيه وانه كان كلما ضاقت بي الدنيا وجدت عنده المرهم والسلوان لهذا قررت أن أتكلف بهذه المهمة ولو أعطي فيها ثروة من المال المهم أن لا يموت الشيخ من الكمد على أبنائه فقلت يا ابن العاهرة برغم من الأعمال القذرة التي نقوم بها والصحبة التي تجمعنا اعمل فقط بوجه الأعمال التي نقوم بها والخمر التي نشربها صباحا مساءا سويا وهنا قال لي المثل الفرنسي الشهير «Service, service, camarades après» فقلت له متهكما هذا هو المضمون فيك يا وجه البوم اذهب وقم باللازم والمبلغ الذي يحددونه لك أنا مستعد لدفعه…………….يتبع