وأمسك الضابط الجهاز وهو منفعل وبدأ يتفحص الجهاز بسرعة قبل أن يطلق ضحكة متوترة أفرغ فيها إنفعاله وهو يقول اللعنة إنها البطاريات فعندما توشك البطاريات على النفاذ يقوم الجهاز بإصدار هذا الصوت ويضاء هذا المصباح الصغير باللون الأحمر وبدأ الضابط بعمله وأخذ يلقنني تقنيات إستعمال هذه الأجهزة التي كانت مرتبطة بعدة دول أجنبية منها القريبة جدا مثل فرنسا ومنها البعيدة جدا مثل باناما وكولومبيا التي لم تتعدى معلوماتي عنها إمبراطور الكوكايين بابلو اسكوبار وما زاد إستغرابي أيضا وجود أسماء عملاء يتعامل معها النظام من شتى الجنسيات وأغرب الجنسيات التي أثارت إنتباهي الجنسيات التالية الإسرائلية السعودية الإماراتية الفرنسية الإيطالية الكولومبية البرازيلية وبعض الجنسيات العربية الأخرى كالمغربية والتونسية والمصرية إذن سيكون علي التعامل مع مختلف الأجناس من اليهودية والنازية إلى الإسلامية المنافقة إلى العلمانية الحليفة…
نظر إلي الضابط وهو يسألني كيف حالك مع اللغة الفرنسية أجبته بحذر ككل الجزائريين ما يفي بالغرض ويقضي الحاجة أجابني بسرعة جيد والإسبانية والإنجليزية أجبته وأنا مستغرب أيضا ككل الجزائريين لا أفقه منها حرفا رد علي باقتضاب إذن سوف تبدأ بأخذ الدروس المهمة في هذه اللغات ستأخذ الأبجديات المهمة التي ستسهل عليك التعامل مع عملائنا وشركائنا في العالم بأسره إذن هكذا “شيكور” سيصبح عالمي وسيحترف في الخارج إذن علي أن أسجل أهداف كثيرة ولأحصل على الأموال الطائلة ولأحقق جميع أحلامي فالحظ حليفي وإلى جنبي طالما أني إبن النظام الأن فلا خوف علي ولا حزن أحمله في قلبي بعد مرور أزيد من ست ساعات أعطاني فيها الضابط من المعلومات والأسرار الخطيرة الخفية ما إن سقطت في يد المعارضة أو علم بها الشعب ووعاها إلا وأحدثت زلزالا في الجزائر وقلبت الطاولة على نظام العسكر وأذياله وجعلت منهم عبرة لمن لا يعتبر…
وفي الأخير قال لي الضابط بزهو وافتخار الأن وفي هذه الأثناء أصبحت واحدا منا لك مالنا وعليك ما علينا وإنفتحت في وجهك مغارة الجنرالات بكنوزها وأموالها التي لا نهاية لها ولكن حذاري ثم حذاري من الغلط أو الخيانة وخصوصا هذه الأخيرة الخيانة فالقائد يمكن أن يعفو عن كل شيء إلا الخيانة فجزاءها ليس الموت وحده بل الإبادة يعني أن تبادى أنت ونسلك كله لو شممنا فقط ذرة من رائحة الخيانة من جهتك هل هذا معلوم سرت في جسدي قشعريرة باردة وأنا أتخيل قوى العسكر وهي تقوم بحرق مساكن العشيرة بمن فيها من أطفال ونساء وشيوخ وتقوم بقتل والدي وأولادي وإخوتي بكل سهولة فهذا الجرم سهل عند هذا النظام بل هو أسهل شيء يجيده نظام الذل والهوان هذا نظام السادة العسكر قلت له وأنا أجمع شتات نفسي الذئب إذا دخل إلى القطيع فهو يصبح من المجموعة إطمئن أيها الضابط لا خيانة لا غدر ولا غلط إطمئن نظر إلي الضابط بارتياح كالذي أدى مهمته على أحسن ما يرام والأن لم يبقى لي إلا أن أعلمك أنك في نهاية هذا الأسبوع سترحل إلى فرنسا وبالضبط إلى مرسيليا ولوحدك هل هذا مفهوم…
المكان مقهى مغمور بمارسيليا عاصمة الجنوب بفرنسا والزمان بعد العصر بنصف ساعة أجلس وحيدا أدخن سيجارتي وأنا أراجع الخطة التي أعطاني إياها الضابط فبعد قليل سيأتي عندي شخصان فرنسيان وسنتعارف بكلمة السر المتداولة بين النظام والعملاء هنا وبعدها سأذهب معهم لأرى السلعة وأعاين جودتها وأبلغ معلوماتي إلى الرؤساء عبر موجة الإتصال السرية فإن أخذت الضوء الأخضر أعطيتهم الدولار الأخضر وحملت البضاعة للميناء ورحلت في حال سبيلي وإن لم أحصل على الموافقة إنسحبت من هذه الإتفاقية بسلام…
عمل يظهر من الخارج على أنه سهل أما في الواقع فهو يحمل الخطر والموت بين ثناياه كنت قد زودت مسدس العجوز الثري بماسورة كاتم الصوت ليست لقلة الأسلحة فمعظم المال الذي يتبقى من فتات الجنرالات نشترى به الأسلحة وليتها كانت أسلحة متطورة صالحة للعمل بل أغلبها خردة تخلى عنها ملاكها فعوض رميها وتفكيكها يشتريها الجنرالات بعبقرتيهم الفذة الموضوع وما فيه هو أنني تفائلت بهذا المسدس فهو السبب الذي جعل مني الرجل الغامض المهم في البلاد الأن لذلك لم أتخلى عنه فوضعته خلف الحزام وأضفت إليه مدية صغيرة خبأتها بين جواربي فالأمر ليس سهلا هنا فهذه مرسيليا المدينة الأكثر إجراما في فرنسا كلها وبعد أن أتممت سيجارتي الثالثة جاء عندي شخصان سألني واحد منهما أين يمكنني أن أشتري حلوى لأولادي يا سيدي باللغة الفرنسية طبعا أجبته عند محل العم جاك فهو جيد عاد ليسألني مرة أخرى أريد الحلوى لعيد ميلاد إبني الكبير فأجبته وأنا ألتفت خلفي وبحذر عند محل العم جاك فهو جيد ثم جلسا الرجلان معي على نفس الطاولة…
وقدم لي الأول نفسه جون كلود وهذا صديقي إبراهيما ونحن من سنقودك لمكان البضاعة كان هذا الحوار البسيط الصغير الذي دار بيننا هو كلمة السر المتفق عليها والرجلان يشكلان بحق حال الطفرة الغربية التي أصبحت عليها فرنسا وإندماج أجناس الناس والثقافات والحضارات فجون كلود أروبي بمعنى الكلمة أشقر الشعر أزرق العينين طويل القامة حاد النظرات أما إبراهيما الفرنسي الأخر فهو إفريقي مائة بالمائة أسود البشرة قصير القامة مفتول العضلات ودائما ما يتسارع مع ذباب الذي يتطاير على وجهه وعصبي المزاج إلا أنهم لن يرهبونني فأنا إبن الجزائر ثعلب الصحراء رافقت الفرنسيان إلى المحل الذي توجد به البضاعة ويا لا المفاجأة كان في المحل أكثر من ثلاث أطنان من الأقراص المهلوسة كلها مرصوصة بانتظام إذن هذا هو مصدر هذه الأقراص الفتاكة تفحصت البضاعة جيدا ثم قمت بوضع قرص واحد تحت لساني حتى أتأكد من جودتها فاقتنعت بالبضاعة طلبت منهم بعض الوقت لأجري إتصالا مهما…
ذهبوا وفسحوا لي المجال تكلمت مع الشخص المسؤول عن مثل هذه الصفقات وأبديت له رأيي بالإيجاب على البضاعة ثم أعطاني الضوء الأخضر فقمت بشرائها وأعطيتهم المبلغ المتفق عليه أوصلت البضاعة إلى الميناء بسلام فأيدي الجنرالات وعلاقاتهم تمتد إلى بقاع كثيرة في فرنسا أدخلت السلعة في مرأب الباخرة المتوجهة إلى وهران وصعدت إلى الباخرة لأحتسي بعض البيرة وأنا أشعر في نفسي بالراحة والطمأنينة فها هي أول عملية تكلل بالنجاح وبلا أدنى جهد أو إراقة الدماء وسأحصل على مبلغ مهم من هذه التوصيلة وستزيد ثقة القادة في عملي وفي حنكتي بدأت الباخرة في المسير وبدأت أحلامي معها ترسم أمامي طريقا مليئا بالورود والزهور وعرش “الشيكور” يكبر ويكبر بين عيني ومضى الوقت بسرعة وأنا غارق في أحلامي وتخطيطي لمشروعاتي حتى لاح لي ميناء وهران من بعيد وأبنيتها المتناثرة هنا وهناك مع إنتشار الضباب في هذه الساعات المبكرة من الصباح ذهبت إلى غرفتي لأجمع أغراضي وأستعد للوصول ثم صعدت لمقهى الباخرة لأشرب كأس القهوة لأقاوم النوم والتعب وأدخن سيجارتي لتشعرني ببعض الدفئ وبينما أنا أشعل السيجارة فإذا برجل أمن يرتدي الزي الرسمي يتوجه نحوي بسرعة ويضع يده على مسدسه…يتبع