الحياة المدرسية … أو ذكريات المدرسة هي ذكريات لا تنسى أبدا أبدا من ذاكرة الشخص لأنك قضيت عمرا في ذاك المبنى المليء بالطلاب ومن الطبيعي ان تكون أيام تلك الدراسة مليئة بمواقف جميلة ومحرجة ورائعة وحزينة وغيرها من شتى المواقف.. ولا يخفى على أحد منكم ان كل شخص لديه مواقفه وذكرياته أيام الدراسة وهناك من يتحفظ أيضا من ذكر تلك المواقف لما بها من إحراج طبعا هذا الجيل هو جيل أخر لم يكن يعلم كيف كان طعم الدراسة في السابق فما كان يحدث سابقا قبل 20 سنة لا يحدث الان لهذا الجيل كمثال الضرب مسبقا كان مسموح أما الان فلا وغيرها من اختلافات…
في هذه الحلقة أردت أن أحرك مشاعركم وأعود بكم إلى ذكريات المدرسة بحلوها ومرها فقد كنت أدرس مع مشاكسين بل مجانين لدرجة أن بعض المعلمين كاد ان يصيبهم الجنون… اتذكر ذات يوم كانت عندنا حصة اللغة الفرنسية وكانت الأستاذة تعتقد انها فرنسية أكثر من الفرنسيين وكانت عنصرية لدرجة أنها تعامل التلاميذ الفقراء باحتقار… وفي ذلك اليوم كانت عندنا معلومة ان القسم الذي سيدخل بعدنا لحصة الفرنسية سيكون عندهم امتحان لذلك قام بعض الطلاب بجلب فئران داخل كيس واثناء قيام الأستاذة بالتدريس قام احد الطلاب بإطلاق تلك الفئران جميعها في القسم فقامت القيامة البنات تصرخ والاستاذة تصرخ بأعلى صوتها وفي لحظة اغمي عليها التف حولها التلاميذ ليس حبا فيها ولكن لحجب الرؤيا عنها بينما التلاميذ الاخرين ذهبوا لحقيبتها وسرقوا ورقة واحدة من بين اوراق الامتحان وتم اجراء مقايضة مع تلاميذ القسم الذي سيدخل بعدنا فقد اخدوا هم ورقة الامتحان ومنحوا لنا باقة منوعة من المخدرات الحشيش والاقراص المهلوسة وبعد مدة فضحت تلك العملية ولكن قسمنا اصبح معروف بقسم “شواكر”…
بسبب سياسة الدولة تحول محيط الثانويات إلى ما يشبه سوق عشوائي مفتوح على كل الخدمات والمتاجرات الشرعية والممنوعة: غرباء يقضون اليوم في التجوال ومطاردة التلميذات يبيعون المخدرات والأقراص المهلوسة… عصابات تستعمل الدراجات النارية لتعترض سبل التلاميذ والمُدرِّسات وتسلبهم ممتلكاتهم وبعضهم يذهب إلى حد محاولة اختطاف بعض التلميذات أو المدرسات بهدف عزلهن في الخلاء واغتصابهن… تلاميذ تائهون لا حديث لهم إلا عن الجنس والشغب وبالمقابل فسيارات الشرطة لا تفارق محيط الثانوية يقضي أصحابها النهار في التجوال قرب الثانوية وبعضهم يتبادلون الطرائف والـنكت مع التلاميذ والتلميذات… أعمال عنف يومية والمعنَّفات يؤكدن أن هوية الجناة معروفة ولا أحد تمكن من اعتقالهم لانهم ببساطة “شواكر”… انحراف هذه الفئة تسربت في أكثر من مرة إلى داخل المؤسسة كما تعرض العديد من الأطر التربوية والتلاميذ لعنف هذه الفئة لكن ما يحز في نفسي أكثر هو أن مرض الشغب بدأ يتنقل إلى تلاميذ نجباء وتلميذات كن يتمتعن بأخلاق حميدة فتحولن إلى براكين ثائرة لكي لا يتهمهم أصحابهم بالجبن وأنهم أنانيش أو ليتجنبوا السخرية منهم بسبب اخلاقهم الحميدة !!! فنحن في مجتمع لا يرحم اما ان تكون ذئبا مع الذئاب أو خروفا مع ضحايا فهذا النظام وضع لعنا هذا النموذج التعليمي لينتج اجيال من الاغبياء والمجرمين فالتلاميذ في المدارس لم يعد حلمهم أن يصبحوا أطباء وأساتذة ومهندسين بل أصبح حلمهم ان يصبحوا “شيكور” ليحصلوا على كل شيء ببساطة ويحققوا احلامهم فالتلاميذ يقولون فيما بينهم من يستمتعون بخيرات البلاد ومن يحكمنا ومن يسرقنا أليس “شواكر” عصابة جنرالات فرنسا لذلك الشيكور في مدرستنا كان مهاب الجانب الجميع يخاف منه الطلاب والاساتذة وأتذكر ذات يوم كنت أنا وصديقي نقف أمام باب المدرسة وكان صديقي من اسرة متوسطة الدخل وفي تلك اللحظة كان يرتدي حذاء رياضي من النوع المشهور جدا في تلك الفترة وسبب شهرة ذلك الحذاء أن مايكل جوردن لاعب كرة السلة المشهور كان يرتديه… وهذا الحذاء أرسله له أخوه من مرسيليا المهم بينما نحن نضحك ونتبادل اطراف الحديث حتى وقف أمامنا شيكور المدرسة وقال لصديقي هل أنت هو أمين فأجابه صديقي بنعم وهو في قمة الفرح أن شيكور المدرسة يعرفه فقال له الشيكور هذا الحذاء يعجبني فضحك صديقي وقال له كل من يراه يقول هذا الكلام فرد عليه الشيكور ولكن أنا أريده فقال له أمين والقلق يتسرب اليه وهو يرتعش أنا لا أريد بيعه الأن فضحك الشيكور وقال له نحن “شواكر” لا نبيع ولا نشتري نحن نأخذ كل ما نريده سواء رضيت أم لم ترضى ومسك أمين من عنقه بشدة وقال له انزع الحذاء من رجلك يا ابن العاهرة وإلا قطعت رجلك مع الحذاء واخرج سكينا كبيرة في هذه اللحظة أرادت أن أتدخل وأتكلم مع الشيكور ولكنه لم يعطيني فرصة فبمجرد أن حاولت أن افتح فمي قام هو بضربي بقوة بمعصم يده التي تحمل السكين في وجهي حتي ارتطم رأسي مع الحائط الذي نقف بجانبه وقال لي بصوت خشن هل أنت كلب حراسته إهتم بشؤونك وإلا سأرسم خارطة الجزائر على وجهك في هذه اللحظة التفت إلي أمين ورأى الدم يسيل من وجهي وأنا في حالة رعب فقام بنزع حذائه وهو يبكي ويطلب من الشيكور ألا يعتدي علينا فقال له تريد ألا أعتدي عليكم أسرع قبل أن ينفد صبري فنزع أمين حذائه مع الجوارب بسرعة البرق وأعطاهم لشيكور الذي أخدهم ونادى على صديقه كان يقف بالقرب منا وهو على متن دراجته فركب ورائه واختفيا على الأنظار..
في اليوم التالي ذهبت إلى بيت صديقي أمين لأطمئن عليه فبينما أنا اصرخ أمين ليخرج عندي لكن في الأخير أتفاجئ بأن أمه هي من خرجت وهي تنظر لي بوجه شاحب وغاضب وهي تقول ماذا تريد يا وجه المشاكل بسببك سرقوا ابني يا ابن الكلاب أنت تسكن في حي المجرمين والقتلة وعن طريقك عرفوا ابني ارحل ولا تعد تكلم ابني ومند هذه اللحظة أنت وابني لم تعدا أصدقاء أردت أن أتكلم معها لكنها قفلت الباب في وجهي بكل عنف حتى أن قلبي كاد أن يخرج من مكانه… رجعت إلى البيت محطما منهارا أتمنى الموت كي لا أعيش في كل يوم إهانة في كل يوم صدمة ورغم كل هذا تقاوم وتقرر في المساء الخروج إلى شارع لتغير مزاجك السيء لتمر من جانب ملعب كرة القدم فتجد أن أصدقاءك كلهم كانوا موجودين هناك ومن الواضح انهم يستمتعون جدا بوقتهم لكن ثمة شخص لم يكن موجودا معهم وهو أنت! يتحول تساؤلك إلى حزن ومرارة فأنت تشعر أن أصدقاءك خانوك وأن علاقتك بهم انهارت مثل بيت من ورق اللَّعِب يغمرك شعور بالوحدة وتتساءل: ‹لمَ أنا وحيد بلا أصدقاء؟› فدخلت في دوامة من الحزن والتيه والهم فقررت أن ابقى وحيدا مع كرامتي وحيدا مع مشاكلي وحيدا مع نفسي….يتبع