الجزائر / سجن “البرواقية” : …..ضوضاء وجلبة وصراخ وعويل كعويل أهل جهنم ثم أصوات كلاب تنبح بشراسة جنونية أحس بدوار شديد في رأسي رائحة المكان عفنة كلام هامس اسمعه على بعد خطوتين من رأسي بدأت أفتح عيني رويدا رويدا وأنا أحاول أن أتذكر ماذا حدث ليلة البارحة “على السلامة يا الزوالي راك جديد هنا” إلتفت إلى صاحب الصوت فوجدت شاب ملتحي وجهه كله كدمات ولكن ما أثارني فيه هو بريق عينيه الذي يشع قوة وعزيمة أجبته وأنا أتحرك ببطئ من مكاني “بارك الله فيك خويا …وين حنا” نظر إلي باستغراب وقال لي بتهكم “نحن في ضيافة الجنرالات ما تخافش راهم دورك يجيبولنا البوراك ناكلوه” في هذه اللحظة سمعت ضحكات تهكم من الرفاق الموجودين معنا في الزنزانة والأخر بصق بصوت مسموع وقال لي “لا تخف أيها الأخ الإخوان في الخارج سينتصرون وسنخرج من هذا المعتقل سالمين غانمين ” هنا تسألت مع نفسي ما هذا المكان الذي أنا فيه وما هذه الوجوه التي أرى أمامي وما هذه العبارات الملغمة بدأت أحاول أن ألاحظ وأدقق في المكان وأستوعب الأجواء التي أنا فيها …
أنا في حجرة ضيقة لا تتسع لأكثر من شخصين ونحن هنا خمسة شباب راشدين لا نوافد للتهوية لا سرير للنوم لا غطاء لا مرحاض مجرد صنبور ماء صدئ ودلو مملوء بالبول وبجانب الدلو فضلات المعتقلين وبالأحرى روثنا نعم الروث هذه الكلمة تقال على فضلات البهائم ونحن كنا نعامل معاملة البهائم وربما البهائم احسن منا وكان معي في الزنزانة ثلاثة أشخاص ملتحين وأخر حليق الوجه ونعذب كما عذب آبائنا وأجدادنا في زمن الاستعمار فأين أنت يا أمير عبد القادر وترى ماذا حصل لأحفادك وأبنائك من بعدك…
الشابان الملتحيان من طريقة تعاملهما مع الشاب الملتحي الثالث استنتجت انه زعيمهم أو أميرهم أو شيء من هذا القبيل ذلك لأنهم يقدمونه في كل شيء في الأكل والشراب في النوم في المكان المريح ويأمهم في الصلاة ويأمرهم ولقد حدثت واقعة طريفة فأول مرة وانا معهم حان وقت صلاة الظهر تيمم الإخوان للصلاة وبقيت أنا والشخص الخامس لم نتوضا ولم نصلي فنظر إلينا الزعيم نظرة ريبة وشك وقال “واش متصلوش” أجبته قائلا الله يهدينا يا شيخ فأجابني بحدة “واش عليك الدم التراس” أجبته باستحياء أني غير منتظم في الصلاة مرة اصلي ومرة لا هنا قال بغضب “برك واش راك تصلي ولا لا” وهنا قرر أن ينهضني للصلاة بالقوة فتغير وجهه وظهرت عليه ملامح الغضب والشر وتجه نحوي فانكمشت في مكاني كالقط مبتل بالماء في ليلة عاصفة وأنا أرتعد من الخوف.
روسيا / منزل الشيكور :….هنا فتحت عيني فرايته يمد يده القوية نحوي بكل عنف وهنا انحصر القميص عن ذراعيه وكانت المفاجئة فقد لاحظت وجود وشم في ساعده الأيمن وكان هذا الوشم الأزرق علامة مميزة عندنا في الجزائر في الثمانينات والتسعينات فهذا الوشم يميز الشواكر والمنتمين للعصابات الإجرامية خطيرة وهنا كأني وجدت ذريعة ومبررا لمنعه من قتلي فقلت ادن أنت جزائري مثلي مثلك رفع حاجبيه مستغربا ومبتسما في نفس الوقت حقا لم تدرك اني جزائري سوى الأن فقلت له بسرعة دون أن افكر من حسن حظي حتى لا تقتلني نظر إلي نظرة استغراب وانفجر ضاحكا وقال لي لما أقتلك يا رجل ماذا فعلت لي لكي أقتلك أم انك تخبئ سرا تخاف أن تقتل من أجله …إن في كلامه هذا عدت احتمالات وأيضا عدت اتهامات ولكي اقطع شكه المريض وانفعاله السريع أجبته بحذر “أنا لا أخبئ سرا لكي أخاف أن يقتلونني من أجله ولكنك البارحة كدت أن تقتلني وأنا الأن ملقي على سريرك وزوجتي وابنتي لا يعلمون شيئا عني فأجابني ببرود لا تخف فأنت هنا فقط لتطبيب وحين تستعيد عافيتك ارحل وقتما تشاء قلت له وأنا ألهت أحقا ذلك فضحك وقال نعم فانت حر يمكنك الذهاب وقت ما تشاء فانت ابن بلدي وهنا تجرأت أن اسأله ولم قلت لي أن المصحف هو الذي أنقذني فأخرج مصحفا صغيرا من جيب سترتي وقال لي عندما فقدت الوعي سقط القران الكريم من سترتك حينها أدركت أنك مسلم على الأقل ولست من الروس فقلت له مبتسما اجل انه مصحف أمي كانت قد أعطتني إياه قبل سفري إلى روسيا وقالت لي دعه في جيبك دائما ولا تفرط فيه فسيحميك من السوء والله هو الحامي وسبحان الله بعد عشرين عام ها هو يحميني من قبضة دب ليس روسي بل جزائري وقلت مع نفسي كأن كلاب فرنسا لم يكفيهم ما فعلوا بي في الجزائر فأرسلوا لي هذا الشيكور ليسليني في غربتي ويتمم ما بدأوه جنرالات العسكر وفي هذه اللحظة قاطعني الشيكور وقال لي لقد رأيت صورة والدتك وأنت عندما كنت صغيرا عرفت حينها انك جزائري مثلي فقلت له عن أي صورة تتحدث فقال الصورة التي تضعها في المصحف فقلت له نعم أنها صورة لي ولأمي أخذناها عند أول أيام عيد الفطر نظر إلي وقال انتظرني سأعود في الحين ذهب إلى المطبخ وتركني في الغرفة أتأمل ما حولي فإذا بي أرى تحفا باهضة الثمن وصور قديمة أظنها له ولأفراد أسرته في الجزائر وهناك صورة جدبت اهتمامي وتأملت فيها لأبحر بذاكرتي في بحر المعاناة وفي هذه اللحظة سمعت صوت تحطم شيء ما وصرخة غاضبة “الله ينعل باباك يا الكلب راك ما تصليش”…يتبع