بعد الزخم الكبير لاستراتيجيات التصنيع والصناعات المصنّعة لنظام الجنرالات عرفت الجزائر انتكاسة كبيرة لسياسات التصنيع التي تجلّت أساسا في البقاء في دائرة التبعية للريع النفطي وتوزيع ناتج موارده واختفاء جزء كبير من النسيج الصناعي الجزائري وأبرز مؤشر لواقع زوال مظاهر التصنيع في الجزائر هو انخفاض حصة الصناعة من 15 في المائة خلال الثمانينيات إلى 4 في المائة اليوم رغم الموارد المالية التي كانت تضخ في القطاع الاقتصادي والذي يوجّه جزء كبير منه للاستيراد.
ووفقا للتقديرات الإحصائية فإن المؤسسات الجزائرية سواء عمومية أو خاصة تبقى مرتبطة أساسا بالخارج من خلال استيراد المواد الأولية والمدخّلات التي تدخل في الإنتاج وتتراوح نسبة هذه التبعية ما بين 80 إلى 90 في المائة وهذا العامل يؤثر سلبا في إنتاج المؤسسات التي عادة ما تعاني من انقطاع في المخزون ومن تذبذب في التزود بهذه المواد ومن تقلبات الأسعار التي تؤثر على السياسات التسويقية وسياسات الأسعار وفي غياب استراتيجية صناعية واضحة المعالم تتسم بالاستقرار والثبات وفي ظل التغيير المستمر للقوانين والتشريعات لم تنجح الحكومات المتعاقبة في الوصول إلى تجسيد سياسات إحلال واردات وتغطية جزء كبير من حاجيات السوق الجزائري فضلا عن العجز الواضح في الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج وتكشف أرقام نمو الصناعة في الجزائر قصور السياسات المعتمدة والأخطاء الجسيمة المرتكبة التي جعلت من هذا القطاع مجالا لتجريب نماذج اقتصادية تبيّن عدم مطابقتها للواقع ليتم اعتماد سياسات إعادة الهيكلة وتجزئة المؤسسات الكبرى ليتم الانتقال إلى مسار الخوصصة بنتائجها الكارثية ثم توقيف الخوصصة واعتماد على صناديق المساهمة وشركات التسيير والمساهمة فالمجمعات الصناعية وكل هذه الوصفات لم تخرج الصناعة الجزائرية من تأخرها بل ساهمت في اختفائها لتتبخر معها 450 مليار صرفها الجنرالات على مخططات و مشاريع وهمية قتلت الصناعة في الجزائر.