وجدت فرنسا نفسها مضطرة لإعادة النظر في تعاطيها مع المسلمين عندما تلقت ضربات موجعة باعتداءات دموية من تنفيذ فرنسيين مسلمين من أصول عربية.
و خروج الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس في تصريح لجريدة لوموند الفرنسية معلنا أنه يؤيد منع تمويل المساجد الفرنسية من الخارج و تكفل الدولة الفرنسية بالإشراف على تدريب و تكوين الأئمة داخل فرنسا و ليس خارجها، إضافة إلى وعده بفتح صفحة جديدة مع المسلمين الفرنسيين، هذا الخروج الاضطراري للموقف الرسمي الفرنسي يعطينا عدة قراءات:
1: اقتناع فرنسا أن الإقصاء الاجتماعي و الاقتصادي و التمييز العنصري و النظرة الأحادية الخاطئة الموجهة للإسلام و المسلمين ليست هي الحل للتصدي إلى التطرف كظاهرة إنسانية ليس لها جنس أو لون أو هوية، خصوصا أن التحقيقات الأمنية كشفت أن منفذي الاعتداءات الدموية هم فرنسيين.
2: اقتناع فرنسا أن التصدي للتطرف يكمن في تبني رؤية عقلانية تتعاطى مع الإسلام كدين يجب فهم حقيقته و جوهره كديانة لها طقوسها و شعائرها و امتدادتها التاريخية و الجغرافية، و لها تعاليمها التي تدعو إلى غير ما يفهم الغرب، و الذين يختزلون الإسلام في الإرهاب و العنف و التطرف، إعادة النظر ببناء فهم جديد للإسلام و المسلمين هو الآلية الأنجع للقضاء على التطرف.
3: إقتناع فرنسا أنه لا يمكن محاربة التطرف إلا من الداخل، أي الاستعانة بالعلماء المسلمين لتأطير الحقل الديني في فرنسا، فاحتضان الإسلام و المسلمين هو الشكل الطبيعي الذي يجب أن تراهن عليه فرنسا كشكل من أشكال التعايش، فكلما كان هناك تعايش و علاقات طبيعية داخل المجتمع الفرنسي إلا و استطاعت فرنسا احتواء التطرف.
4: مسألة التطرف لها علاقات و امتدادات خارج فرنسا، و التصدي له ينبني على تأسيس علاقات تلاقح مع دول تعرف الإسلام و المسلمين أكثر من فرنسا مثل الجزائر.
الفهم الفرنسي على أن الإسلام و المسلمين يشكل فوبيا داخل البنية الفرنسية هو فهم قاصر أثبت محدوديته بعد أن ثبت أن منفذي الإعتداءات الدموية هم فرنسيين، إذن فرنسا مضطرة لتأطير الحقل الديني و الإشراف عليه عوض إصدار أحكام قيمة تزيد الأمور تعقيدا، و تجعلها مستهدفة من طرف التطرف نفسه، فلا يمكن القضاء على التطرف بالتطرف، و على رد الفعل برد الفعل، فعندما تنتفي من حياتنا الإنسانية قيم التسامح و قيم محاولة فهم الآخر القريب و البعيد على نحو جيد نكون أمام التطرف و العنف و الإرهاب.