في بلادنا الغنية بالبترول والغاز الصراع في الأعلى هو حول إعادة هيكلة تقسيم كعكة الوطن بمناسبة الانتخابات الرئاسية القادمة أما في الأسفل فالصراع هو من اجل البقاء في هذا الجو البارد والقارس. وأنت تتجول في شوارع أي ولاية من هذا الوطن الكبير حتما ستراهم هنا وهناك سوف تجدهم في الساحات وعند المقاهي وفي محطات النقل وكذلك في الأماكن المهجورة شيوخا وأطفال بوجوه شاحبة غابت نظارتها وتراجع ألقها وفقد فيها نزق الحياة وروعتها عيونهم غائرة وأجسامهم هزيلة ونفوسهم منكسرة هدّها الضياع وأتعبها الجوع لتموت في أعماقهم كل تلك المعاني والأماني الجميلة في الحلم بغد أفضل رغم أنهم ينامون فوق ثروة تقدر بأكثر 8500 مليار دولار.
نعم لقد أضحت أحلامهم موقوفة عن التنفيذ بعدما اقتلعهم القدر ومن يحكم البلاد من أحضان أسرهم الدافئة ليمج بهم في عوالم مجهولة المعالم لتتحول حياتهم إلى جحيم يكتنفها الغموض ويطبعها اليأس ويسمها الحرمان الكلام هنا عن الشيوخ و أطفال الشوارع المشردين فمع كل فصل شتاء تعود قضية إنسانية بالدرجة الأولى وإحدى مهام ومسؤوليات الدولة والمتمثلة في حماية الآلاف من الجزائريين الذين رمتهم الأقدار وتسيير العشوائي لثروات البلاد ليعيشوا دون مأوى ويقضون لياليهم داخل زوايا ضيقة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء إلا من بعض الألبسة البالية أو قطع الورق المقوى “كرتون” أملا في أن تحميهم من صقيع برد قارس وهطول أمطار متواصلة أو التفاتة إنسانية من جمعية خيرية أو أفراد يقدمون لهم وجبة ساخنة تعيد الدفء لأمعائهم الخاوية فالمشردون هم فئة من البشر موجودون في كل مكان اعتادت أعيننا على رؤيتهم دائما ليس لهم مأوى ولا دخل ولا طعام مجرد رؤيتنا لهم نشعر بأننا فقدنا جميع معاني الإنسانية لرؤيتهم في الشوارع دون مأوى يرتعدون من البرد القارس في الشتاء فقط يحاولون الحصول على مساعدات وللأسف لا يوجد اهتمام بهم من قبل الجهات المعنية مشردو الشوارع والأزقة ظاهرة اقترن نموها باتساع نطاق الفقر والبطالة وانعكاسهما على استقرار الأسرة الجزائرية فهم ضحايا فشل السياسات الاقتصادية في تحسين دخل الفرد وضحايا فشل القطاعين العام والخاص في توفير فرص عمل تلبي تطلعات الكادحين وتأخذ بأيديهم نحو مزيد من الإنتاج والاستقرار الحياتي يضاف إلى ذلك ضحايا العنف الإجتماعي من الأطفال والشباب الذين غالبا ما يلجأون للبحث عن بصيص أمل في العيش بسلام فتصدهم القسوة بتوحش ليؤول مصيرهم إلى التنازل عن جل حقوقهم مقابل البقاء في مجتمع تتناغم فيه معاني الشقاء والحرمان والويل من المجهول مع البرد والجوع إنه مجتمع المشردين الذي ينمو عاما بعد آخر على حساب مجتمع العقلاء دون أن يبدي الأخير أدنى خشية أو تعبيراً عن قلق من الإرتفاع المضطرد لأعداد المشردين المتجاهلين من قبل الدولة.