في واحدة من المشاهد البئيسة، التي نلاحظها و نحن نمر بأزقة و دروب المدينة القديمة بالجزائر العاصمة “القصبة”، و مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، حيث بتعلق الكبار و الصغار بأضاحي العيد التي باتت تنافس المارة و المتجولين، في مشاهد اختلطت فيها الفرحة بالفوضى و عدم احترام الخصوصيات العمرانية للمكان التاريخي.
و تزاحم الخرفان مداخل المنازل دون حرج من أصحابها و تتخذ من مقابض الأبواب الخشبية العتيقة، مربطا آمنا يحفظها من الضياع وهذا أمام مرأى شباب و أطفال الحي الذين يحيطون الأضحية بكثير من الفضول و التعاليق، كما لوحظ عند مدخل حي سوق الجمعة بالقصبة السفلى.
و يزداد حماس السكان المقبلين على ما يطلق عليه في العاصمة ب “العيد الكبير”ي حيث شوهدت الساحات المربعة الشكل التي تتوسط الشوارعي وقد تحولت إلى إسطبلات صغيرة تجمعت فيها أضاحي الجيران، بعدما كانت قبل حلول هذه المناسبة مكانا مفضلا ووحيدا لصبيان القصبة للعب كرة القدم. وفي تلك المساحة الصغيرة تكدست الأعلاف و تراكمت الأوساخ في انتظار أن يتطوع أحدهم لجمعها.
وقد ابدت سيدة في الخمسين من عمرها من تواجد هذه الكباش مدة طويلة في ازقة القصبة معتبرة ذلك سلوكا “غير مناسب” لضيق المساحة، فيما عبر شاب آخر عن تقبله لهذه الظروف التي ستزول بعد صلاة العيد مباشرة.
و يرى الحاج زوبير مولوج (75 سنة) بصفته مقيم قديم بالقصبة، أن هذه الأخيرة تعيش حالة “فوضى” لا يتحملها كبار السن و الاوائل ممن عرفوا “العصر الذهبي” للمدينة، و يقول إن القصبة معروفة بضيق مساحتها و المقيمين فيها تبنوا سلوكا اجتماعيا يقوم على التعاون و التعايش و المشاركة في كل الامور المتصلة بالحياة الجماعية، في إشارة منه إلى مسألة النظافة و تقسيم المهام و احترام السياق العام للمكان.
و يضيف عمي زوبير أن القصبة زمان لم تكن “تعج” بالكباش في كل مكان, مع أن الأطفال كانوا يفرحون بالكبش و يزهون به مع الجيران، إلا أنها ضمن ساعات معينة و بمعية الكبار الذين كانوا يقتنون الأضحية يومين قبل الموعد و ليس أسبوع أو اثنين كما هو حال اليوم، و يضيف شارحا أن العائلات كانت تضع كبشها في وسط الدار أو في بيت الصابون و هي غرفة كانت مخصصة لغسل الملابس تتداول عليها النسوة.
و يتذكر الحاج زوبير بكثير من الحنين تفاصيل يوم النحر، و يستغرب كيف أصبحت بطانة الخروف (الهيدورة) تلقى في المزابل بعدما كانت تشكل ثروة حقيقية لربات البيوت و كمادة أولية (الصوف) لصناعة الوسائد و الأفرشة.
و تقول الحرفية شناز ابراهيميي أن أجواء العيد في القصبة اليوم لا تختلف عنما هو سائد في كامل المجتمع الجزائريي و أن المقيمين في المدينة القديمة لا يعيرون اهتماما لخصوصيتها، سواء من حيث الحفاظ على العادات الحميدة في التعامل مع الأضحية و توخي النظافة التي أصبحت عنصرا “يستصغره الجيل الجديد”، مشيرة إلى انسداد المجاري المائية جراء إلقاء كل أنواع الفضلات بما فيها البطانات و عدم احترام ساعات رمي النفايات في النقاط المحددة قبل مرور عمال النظافة، كما نبهت المتحدثة إلى أهمية وجود مصادر الماء في القصبة أو الأعين المشهورة عند كل درب أو تقاطع الشوارعي كعين بئر جباح و عين بئر شبالة و عين سيدي امحمد الشريف” و غيرها من منابع القصبة التي كان دورها مزدوجا إما سقاية المارة أو تنظيف المحيط عقب عملية النحر.