تعد زاوية بن الشيخ الحسين، التس تقع بأعالي بلدة سيدي خليفة على بعد 23 كلم عن مدينة ميلة، منبرا للعلم و العمل، و تبقى لحد اليوم وثيقة الارتباط بصيتها وسمعتها منذ تأسيسها عام 1818 ميلادي ، و مسيرتها زاخرة بالأعمال الجليلة في مجال تحفيظ القرآن الكريم و العلوم الدينية و أصول الفقه ومحاربة الأمية إلى جانب التكافل الاجتماعي و السعي لإصلاح ذات البين.
وعلى عكس الكثير من الزوايا الأخرى عبر الوطن فإن زاوية بن الشيخ الحسين لم يعرف لها انتماء لإحدى الطرق السائدة بالجزائر كما لا تتوفر على طقوس يؤديها المريدون إذ ركزت وصية مؤسسها الأول الشيخ بن الشيخ الحسين (1786 – 1849ميلادي) لأبنائها على ” إتباع الكتاب و السنة و منهج الاعتدال ” .
و كانت أولى أعمال مؤسس الزاوية ـ حين استقرار عائلته بمنطقة سيدي خليفة الحالية بعد ما صال بمناطق أخرى من بينها ابن زياد بقسنطينة ثم فرجيوة بشمال ميلة- بناء مسجد يجمع الناس حوله ، كما أفاد الشيخ محمد بن الشيخ الحسين أحد مشايخ الزاوية الحاليين .
وكان المسجد ـ إستنادا للمتحدث ـ منطلقا لتأسيس ” منظمومة دينية اجتماعية ثقافية متكاملة ” لم تكتف فقط بتعليم القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة و إنما امتد العمل ليشمل آداب المعاملة و فك المنازعات ومحاربة الأمية و الجوع و استقبال الوافدين و عابري السبيل إلى جانب استغلال الأراضي ” الوقف ” للزاوية حيث كانت الفلاحة ” بمثابة عبادة ” .
و كان للشيخ مؤسس الزاوية خمسة أولاد، هم : علي المدعو (علاوة) و حمو و عبود و أحمد والشيخ الصالح وكانت تحتضنهم الدار الكبيرة مثلما يطلق عليها.
ومع تزايد أعداد العائلة شيد كل ولد من أبناء الشيخ الحسين مساكن خاصة بهم وفقا للنمط المعماري العثماني الذي كان سائدا آنذاك (القرن التاسع عشر الميلادي) .
و برزت هذه المنازل في شكل ” قصور” تتوفر على الكثير من الغرف وقد اختلفت تسميات هذه المباني وتنوعت بحسب طبيعة دورها في بناءات الزاوية من بينها “المجلس” و “المقصورة” المخصصة لإيواء أشخاص كثيرين ” وكذا ” وسط الدار ” و ” الشارداق ” (مكان لتخزين و وضع الأشياء) و الدكانة ويسمى المخبأ و “المسراق” ويدعى الممر فضلا عن ” لعلي ” وهو مبيت خاص بالشبان بعد بلوغهم لتفادي الاختلاط مزود بعدد من الغرف .
ومن بين مرافق الزاوية أيضا “دار الضياف” و كذا بيوت خاصة بعابري السبيل الذين خصصت لهم ” دار البياتة ” حتى يغادروها أو يظلوا بها إن استطابوا المقام هناك .
و منذ تأسيسها سنة 1818 , يقول رياض بن الشيخ الحسين أستاذ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة ظلت هذه الزاوية قبلة لطلبة العلم القادمين لحفظ القرآن و تعلم السنة النبوية من كل مناطق البلاد ويتم التكفل بهم كليا من حيث الإيواء و الإطعام و من خلال نظام استقبال جد فعال .
وتحدث مشايخ الزاوية عن شخصيات علمية و دينية أسهمت في مجهودها التعليمي و الديني على غرار الشيخ حمدان بلونيس مدرس العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس و نجله الشيخ محمد الطاهر بلونيس رحمهم الله وكذا الشيخ المصلح عبد القادر الميجاوي . كما كان يتردد عليها العلامة بن باديس وعلاقته الطيبة بعائلة الزاوية لما وجد عندها من اعتدال ووسطية كما أكدوا .
و ذكر المشايخ أيضا بأن عددا من طلبة الزاوية قد تتلمذوا بمعهد الشيخ بن باديس منذ العام 1948 من بينهم أحد المشايخ الحاليين للزاوية عبد العليم بن الشيخ الحسين.
و من أهم أعلام الزاوية ابنها المميز الشيخ عباس بن الشيخ الحسين عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و الذي لعب دورا مهما في حياة الجمعية خاصة في أربعينيات القرن الماضي .
وقد سهل الطابع الديني و العلمي للزاوية التي نأت بنفسها عن كل ما هو مريب من شعوذة و دجل في حصول علاقة طيبة بين الزاوية و زعماء الإصلاح الديني وجمعية العلماء المسلمين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس و رفاقه .
ولا زالت الأذكار و الأوراد و الصيغ المحافظ عليها لحد الآن بزاوية الشيخ الحسين في المناسبات ” سنية معتدلة” على غرار صيغة عقد الزواج الموحدة و خطبة العيد مثلا .
و من دلائل اهتمام الزاوية بالعلم عنايتها على مر العقود بالمخطوط بشتى أنواعه ، وفقا لما ذكره الأستاذ رياض بن الشيخ الحسين ومنها علوم الشريعة و أصول الفقه والسنة و العقيدة إلى جانب علوم النحو و الصرف واللغة العربية عموما وكذا علم الفلك و الطب القديم التقليدي، وقد بلغ تعداد هذه المخطوطات الثمينة في السابق 6 آلاف وثيقة من بينها كتاب يقرأ من عدة اتجاهات بحيث يقدم في كل اتجاه علما معينا .
و كانت زاوية بن الشيخ الحسين تقتني هذه المخطوطات من مالها الخاص لتزويد مكتبتها بنفائس العلوم التي توضع في متناول طلبتها لأغراض التعلم و التدريس، و يسجل هنا ـ يضيف الأستاذ رياض بن الشيخ الحسين ـ شراءها لمكتبة الشيخ لفقون بقسنطينة خلال القرن التاسع عشر .
لكن هذه الثروة القيمة تناقصت و تراجعت بشكل مطرد لدرجة أنها لا تتعدى حاليا 320 مخطوطا ، مثلما أشير إليه و ذلك بسبب التلف الناجم عن الظروف السيئة للحفظ و أيضا لسوء التعامل معها من قبل الباحثين و المقبلين من كل حدب و صوب ، كما أن العديد ممن استعملوا هذه المخطوطات لم يوفوا بإرجاعها للزاوية .
و للحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة من المخطوطات تم نقل ما تبقى منها إلى مكتبة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة لوضعها في متناول الطلبة و الباحثين بعيدا عن إلحاق أي ضرر بها و في ظروف حفظ ملائمة .
و لا زالت زاوية بن الشيخ الحسين تمارس بعض أدوارها المعهودة ومن أبرزها تحفيظ القرآن و التكافل الاجتماعي و استضافة الزوار و الطلبة . وعلى مدى تاريخها منذ مطلع القرن التاسع عشر ومرورها بفترة الاستعمار الصعبة تمكنت الزاوية من أداء دورها بفضل مواردها الاقتصادية الخاصة من ” وقف ” الأراضي الفلاحية التي بلغت مساحتها حاليا 1000 هكتار مخصصة في أغلبها لزراعة الحبوب .