أصدرت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوم السبت، بيانا، تؤكد فيه أن المعاينة التي تقوم بها مصالح مفتشية العمل ميدانيا تظهر أن “جل التوقفات عن العمل لا تحترم الإجراءات القانونية المنظمة لحق الإضراب”.
وأوضح بيان الوزارة، أن “المعاينة التي تقوم بها مصالح مفتشية العمل ميدانيا تظهر أن جل التوقفات عن العمل لا تحترم الإجراءات القانونية المنظمة لحق الإضراب وتؤدي إلى وقوع النقابيين والعمال المعنيين تحت طائلة القانون، مما يعرضهم إلى إجراءات تأديبية قد تصل حد التسريح”.
ولهذا الغرض، “يتعرض عمال وموظفون لمتابعات قضائية من قبل المستخدم بسبب جرهم إلى المشاركة في توقفات عن العمل غير مطابقة للقانون، حتى وإن كانوا في بعض الأحيان يعتقدون بعدالة مطالبهم وسلامة الإجراءات المتبعة في هذا الشأن”.
و في هذا السياق، سجلت مصالح الوزارة خلال الفترة الأخيرة “حدوث نزاعات جماعية للعمل أفضت إلى إضرابات مست قطاع الوظيفة العمومية والقطاع الاقتصادي وأدت إلى الإخلال بالسير العادي للمصالح العمومية”.
واعتبر ذات المصدر أن هذه الوضعية “لا تخدم المساعي الرامية إلى توطيد وتعزيز الحفاظ على المناخ الاجتماعي الضروري والملائم الذي يمكن كافة أطراف علاقة العمل من ممارسة واجباتهم وحقوقهم ضمن احترام الإجراءات التشريعية والتنظيمية التي تسير هذه العلاقة وتنظمها”.
ولهذا الغرض، فان الوزارة تذكر كافة الأطراف في عالم الشغل بالأحكام القانونية والإجراءات التنظيمية التي تضبط العلاقات المهنية، لاسيما منها ممارسة الحق النقابي وحق الإضراب، حيث يمثل “الإلمام بالمبادئ العامة أمرا ضروريا للغاية لفهم محتوى العمل النقابي وترشيد الممارسة النقابية وأدبيات العمل النقابي”.
و ذكرت الوزارة أن الدستور والقوانين الجزائرية “تكرس حرية تأسيس الجمعيات والحق النقابي والحق في الإضراب والحق في المشاركة”، مبرزة أن تأكيد هذا المبدأ الدستوري يظهر في أحكام المادتين 70 و71 من القانون رقم 16-01 المؤرخ في 6 مارس 2016 المتضمن التعديل الدستوري.
وأشارت الوزارة أيضا إلى القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 أبريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم، الذي أرسى “فضاءات للتفاوض على مستوى المؤسسة وفرع النشاط”.
وفي هذا المنحى، أكدت الوزارة أن هذه القوانين استندت على أسس ومبادئ الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية، موضحة أن الجزائر “بادرت منذ استعادة سيادتها إلى التصديق على 60 اتفاقية دولية للعمل من بينها الاتفاقيات الثمانية (8) الرئيسية، وعلى وجه الخصوص الإتفاقية الدولية رقم 87 حول الحرية النقابية وحماية الحق النقابي والإتفاقية رقم 98 حول حق التنظيم والتفاوض الجماعي”.
و أشارت وزارة العمل إلى أن المشهد النقابي الوطني “عرف منذ سنة 1990 تطورا ملموسا في تسجيل المنظمات النقابية، لاسيما العمالية منها، حيث وصل عدد المنظمات النقابية للعمال وأصحاب العمل إلى غاية شهر ديسمبر 2017 إلى 102 منظمة نقابية مسجلة تتوزع على 36 منظمة نقابية لأصحاب العمل و66 منظمة نقابية للعمال الأجراء”.
و في هذا المنحى، أشار نفس المصدر إلى أنه “من بين 66 منظمة نقابية للعمال الأجراء، 35 منظمة نقابية للعمال موزعة في قطاع الهيئات والإدارات العمومية (الوظيفة العمومية) منها قطاعان يعرفان تواجد عدد هام من المنظمات النقابية للعمال التي تغطي العديد من الفئات المهنية”.
ويتعلق الأمرـ حسب الوزارة ـ بقطاع التربية الوطنية، حيث تم تسجيل 13 منظمة نقابية، وقطاع الصحة حيث تم تسجيل 14 منظمة نقابية.
و من هذا المنظور، تعتبر وزارة العمل ان هذا “العدد المعتبر من المنظمات النقابية المسجلة يعد دليلا واضحا على درجة الحرية النقابية التي يتمتع بها العمال في بلادنا”.
و في نفس الإطار، ذكرت الوزارة بالقواعد القانونية التي تحدد وتضبط شروط وكيفيات ممارسة الحق النقابي ومنها حق اللجوء للإضراب، مشيرة إلى القانون رقم 90-14 المؤرخ في 2 جوان 1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي المعدل والمتمم، حيث حدد شروط تأسيس المنظمات النقابية وكذا معايير تمثيليتها على مستوى الهيئات المستخدمة وعلى الصعيد الوطني، فضلا عن حماية المندوبين النقابيين وشروط وطرق حل المنظمات النقابية.
وأشارت الوزارة إلى أن للمنظمات النقابية التمثيلية داخل الهيئة المستخدمة الواحدة “صلاحية المشاركة في مفاوضات لإبرام الاتفاقيات و الاتفاقات الجماعية والوقاية وتسوية نزاعات العمل الجماعية وممارسة حق الإضراب وكذا جمع أعضاء المنظمة النقابية التمثيلية في مواقع العمل”.
و في هذا الصدد، فإن تسجيل المنظمات النقابية وحدها “لا يمنح الصلاحيات المخولة لها قانونا ولا يمنحها آليا صفة التمثيل، حيث يتعين على المنظمات المؤسسة قانونا استيفاء عدد من المعايير من بينها أقدمية ستة (6) أشهر على الأقل من التأسيس القانوني ونسبة 20% من العدد الكلي للعمال الذين تغطيهم القوانين الأساسية للمنظمة النقابية”.
و من أجل التمتع بهذه الصلاحيات، يتعين على المنظمة النقابية أن “تبلغ السلطة الإدارية المختصة المنصوص عليها في القانون قبل حلول 31 مارس من كل سنة بجميع العناصر التي تمكنها من تقدير تمثيليتها ضمن نفس الهيئة المستخدمة، لاسيما عدد منخرطيها واشتراكات أعضائها”.
و بخصوص اللجوء إلى الإضراب، أكدت وزارة العمل أن “وضعية العلاقات الاجتماعية والمهنية وظروف العمل داخل الهيئة المستخدمة تدرس في إطار اجتماعات دورية بين المستخدم من جهة وبين المنظمة أو المنظمات النقابية التمثيلية للعمال الخاضعين لقانونها الأساسي من جهة أخرى. ويتم تدوين جميع النقاط في محاضر معدة لذلك”.
وفي حالة ظهور خلافات بين الأطراف، “يتم اللجوء إلى الإجراءات المتفق عليها لتسوية هذه الخلافات بطرق ودية داخلية”.
وفي حالة فشل الإجراء، “يمكن لأحد الأطراف إما اللجوء إلى مفتشية العمل المختصة إقليميا لغرض عرض النزاع للمصالحة (في حالة نزاع على مستوى مؤسسة اقتصادية) أو اللجوء إلى السلطة الإدارية المختصة بالقطاع حسب الحالة لغرض إجراء المصالحة بحضور ممثلي الوظيفة العمومية و مفتشية العمل المختصة إقليميا (في حالة نزاع على مستوى الإدارة العمومية)”.
وأشارت الوزارة إلى أن القانون “ألزم أية منظمة نقابية، قبل اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب، على تطبيق الإجراءات الوقائية الواردة في الاتفاقيات الجماعية للعمل وتلك الواردة في القانون، منها إتباع الأساليب الداخلية لتسوية النزاعات والمصالحة”.
كما ذكرت في هذا السياق أنه “يتم اللجوء إلى الإضراب عن طريق الاقتراع السري وتكون الموافقة بأغلبية العمال المجتمعين في جمعية عامة تضم على الأقل نصف عدد العمال المعنيين، ويلزم ممثلو العمال بإيداع إشعار بالإضراب لدى المستخدم وإعلام مفتشية العمل المختصة إقليميا حسب الآجال المتفق عليها، على ألا تقل المدة عن 8 ثمانية أيام”.
و لفتت الوزارة الانتباه إلى أن القانون “يؤكد على ضرورة مواصلة الحوار والتفاوض حتى أثناء فترة الإشعار بالإضراب وخلال مدة الإضراب”.
ويلتزم الطرفان ـ حسب المصدر ذاته ـ باتخاذ “كافة التدابير الرامية لحماية المنشآت والأملاك وكذا الحد الأدنى للخدمة في حال كانت طبيعة النشاط ذات أهمية حيوية بالنسبة للمواطن وللاقتصاد”.
في هذا الإطار، يمكن لطرفي النزاع “اللجوء إلى العدالة التي تفصل في الأمر، بحيث يتعين على الجميع النزول عند أحكامها”.
وفي هذا الصدد، فإن ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب “مكفول بقوة القانون ما دام يخضع للإجراءات السالفة الذكر”.
أما “إذا تم خارج الإجراءات والتدابير القانونية وإذا اعتبرته الجهة القضائية المختصة غير شرعي ومخالف للإجراءات القانونية، فإنه يقع حينذاك تحت طائلة القانون”.
وعليه ـ تشير الوزارة ـ فإن “عدم احترام الإجراءات المنظمة لحق الإضراب والمشاركة في التوقف عن العمل بصفة مخالفة للإجراءات القانونية يعتبر خطأ مهنيا جسيما يرتكبه العمال الذين شاركوا فيه ويتحمل المسؤولية الأشخاص الذين ساهموا بنشاطهم المباشر”.
و في هذه الحالة، “يمكن للمستخدم اتخاذ تجاه العمال المعنيين الإجراءات التأديبية طبقا للنظام الداخلي ووفقا للنصوص القانونية والتنظيمية”.
مع ذلك، “يمكن للعمال أو الموظفين الذين اتخذت في حقهم إجراءات تأديبية بسبب مشاركتهم في التوقف عن العمل مخالفة للإجراءات القانونية المنظمة لحق ممارسة الإضراب، اللجوء إلى إيداع شكوى فردية لدى مفتشية العمل المختصة إقليميا بالنسبة للقطاع الاقتصادي أو بإمكانهم إيداع طعن لدى السلطة السلمية أو لجنة الطعن المختصة قبل اللجوء إلى المحكمة الإدارية للجهة القضائية المختصة حين يتعلق الأمر بمستخدمي الإدارة العمومية”.
و لكل هذه الأسباب، تدعو وزارة العمل المنظمات النقابية إلى “التحلي بالمسؤولية والنضج في ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب في إطار الامتثال للقانون وللإجراءات والتدابير القانونية في المجال”.
و تجدد الوزارة حرصها على “مرافقة الشركاء الاجتماعيين في جميع مراحل تنفيذ علاقات العمل، لاسيما أثناء حدوث النزاع، من خلال مساهمة مصالح مفتشية العمل”، مبرزة أن هذه الجهود “أثمرت خلال السنة الماضية بإلغاء 53 إشعارا بالإضراب، مما جنب الهيئات والمؤسسات خسائر كبيرة، و بالمقابل، تم حل هذه النزاعات بواسطة الحوار والتفاوض”.
ويندرج مسعى الحوار الاجتماعي أيضا في “إطار توجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، التي أسداها للحكومة بخصوص ترسيخ وتكريس الحوار كأداة وخيار نوعي لمعالجة مختلف القضايا، لاسيما تلك المتعلقة بعالم الشغل”.
و أكدت الوزارة أن التشريع الوطني يتضمن “الأدوات والآليات التي تقوم عليها قواعد وأشكال الحوار الاجتماعي الذي لا يزال الوسيلة الحضارية والمفضلة لتجنب الوصول إلى وضعيات تضر بالاقتصاد الوطني وبمصير أجيال لا يمكن استدراك نتائجه السلبية على المدى البعيد وكذا باستقرار وسير المؤسسات وبمصلحة العامل والموظف والمواطن بصفة عامة”.