بمناسبة الإحتفاء بطاقم الوكالة الفضائية الجزائرية، بعث رئيس الـجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الاثنين، رسالة إثر توصله إلى صنع القمر الاصطناعي الجزائري للاتصالات “ألكوم سات ـ1” ونجاح تنصيبه على مداره، و فيما يلي النص الكامل للرسالة:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين،
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســــادة الأفـاضـل،
إن الغبطة لتغمرني في هذا اليوم و أنا ألـمس بكل ارتياحي أن إنشـاء الوكالة الفضائية الجزائرية و مركزها الـمخصــص لتطـويـر الأقـمــار الاصطناعيـة سنـة 2012 كان مسعى صائبا و استثمارا لـم يذهب سدى إذ أثبتت هذه الهيئة إثباتا لا يدع مجالا للشكي قدرتها على النهوض بتنفـيـذ البـرنامـج الفضـائـي الوطـني الســاري إلى غـايـة سنة 2020 و هو إنجاز جدير بأن يعتز و يفتخر به الشعب الجزائري برمته.
كيف لا و البرنامج قد آتى أُكْـــلَــه بإطلاق جملة من الأقمار الاصطناعية لـمراقبة الأرض من جانب البيئة و تهيئة الإقليـم والـمـوارد البيئـيـة والـمنجمـية و الفـلاحـيـة و العمـرانية و النقل وكذا الوقاية من الـمخاطر الكبرى و تسييرها.
كما كان لهذا الـبرنامج الاستراتيجـي الفـضـل في تكوين الكفاءات البشرية العالـية الـمستوى التي لن تقتصر مهمتــها مستـــقـــبلا على استغــلال ما سبق إطلاقه من أقمار و ألكوم سات -1 وعلى استمرار خدمتها و السهر عليها فحــــسب بــــل ستضطلع كذلك بمواصـلـة تـــطوير التكـــنولوجيات الفضائية في الجزائر.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســــادة الأفـاضـل،
إن الغاية من استثــــمـــــارنا في الـمـــــورد البشـــــري لا تتمثل في تحصيل التكنولوجيات الحديثة فقط بل تتمثل أيضا في توطينها و التحكم الأمثل في تطبيقاتها من أجل الدخول في طور إنتاج الـمعرفة و استدرار الثروة لكي نلتحق بمصاف الأمم الـمتقدمة علـما أن سيادة الجزائر وحريتها لن تكتملا إلا بتنـويـر العـقـول و اكتـسـاب الـمعـارف والعـلـوم والتكنولوجيات لتحقيق تنميتنا الشاملة.
ولا يتأتى هذا الـمبتغى إلا من شراكات علـمية وتكنولوجية مع العديد من الأطراف في العالـم على غرار ما تحقق لنا مع جمهورية الصين الشعبية الصديقة.
كان إنجاز قمر ألكوم سات -1 أمرا لا بد منه لسد حاجة بلادنا في مجال الاتصالات بالأقمار الاصطناعية و البث التلفزيي و خدمات الإرسال السمعي و الانترنيت ذات التدفق العالي و التعليم عن بعدي وممارسة الطب عن بعدي و غيـرها من التطبيـقات و لذلك نعـده عمـلا ملـمــوسا وموفقا جسدنا به إتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعناها في 25 مايو 2014 مع جمهورية الصين الشعبية الصديقة. وها هو اليوم يبرز إلى الوجود لكي يكون أداة لترقيـة النشـاط الفضـائي الوطـني للأغـراض السلـميـةي أداة نافعة و فعّالة لخدمة تنمية إقتصادنا الوطني.
سيمكن آلكـوم سات -1 مختلـف الـمؤسسات الوطنية من عمومية وخاصة من الاستفادة من خدمات كانت حكرا على الـمؤسسات الأجنبية و كان الحصول عليها يتطلب دفع مبالغ باهظة بالعملة الصعبة وبذلك سيتاح لبلادنا تحقيق استقلالها في هذا الـمجال الحساس فضلا عن كون الخدمات والتطبيقات التي سيوفرها هذا القمر الاصطناعي نافعة غاية النفـع للتنميـة الوطنيـة بمختلـف أبعـادها الاجتماعيـة و الاقتصادية و الثقافية و غيرها.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســــادة الأفـاضـل،
إن الشراكة الجزائرية الصينية قد أجدت نفعا حيث إنها مكنـت من تكـوين و تأهيـل كفـاءات بشرية جزائرية عالية الـمهارة العلـمية والتكنولوجية ضمت دكاترة و حملة شهادات علياي و مهندسين في مجـالات دقيقة ذات الصلة بتصميم الأقمار الصناعية و إنجـــــازها وإطــــــلاقها و اســـــتغـــــلالها وكـذا في تخصصات في مجـال تكنـولـوجيات الاتصـالات الفضائية.
إنه لـمن دواعي السعادة أننا بتنا نتوفر على هذا الـمورد البشري ذي الكفاءة العالية الذي نعده أهم نتاج لهذه الشراكة الجزائرية الصينية حيث إنه أصبح الضامن لـمواصلة التنفيذ الأمثل للبرنامج الفضائي الجزائري مستقبلا. في هذا الـمقام أجـدد شكـري إلى شـركائنا في جمهورية الصيـن الشعبية نظير تعاونهم الصادق الذي مكننا من الحصول على الـمعارف التكنولوجية في قطـاع هو من الأهمية و الدقة بمكان.
لذا أدعـو الجهات الـمعنية إلى الحرص على التثمير الأمثل لهذه الـمعارف الـمكتسبة حتى يتأتى به التحكم الأمثل في هذا القمر الصناعي ألكوم سات -1 من حيث تشغيله و رصد و مراقبة مختلف أنظمته الفرعية وملحقاتهي كما أدعو إلى تطوير الـمكاسب الـمحصلة ونقلها إلى الـمنتسبين الجدد إلى الوكالة الفضائية الجزائرية و إلى إطارات هيئات الدولة ذات الصـلة بمـجـال الاتصـالات الفضائيـة و كـذا الأقسام الجامعية الـمختصة فيه.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســــادة الأفـاضـل،
إنني إذ أهنئ الوكالة الفضائية الجزائرية وطاقمها بشقيه الإداري والعلـمي نظير هذا الإنجاز التاريخي الـمشهود أجـدد التأكيـد على إمـدادها بالدعـم الـمطلوب الذي يجعلها تمضي قدما في رفـع كفاءاتها العلـمية لتطوير مشاريعها الآتية و أؤكـد إلتزام الدولة بتوفير كل الشروط الضرورية لنجاحها و ذلك على الخصوص من خلال التحسين الـمتواصل لظروفها الـمهنية و الاجتماعية.
أجلي إن الوكالة الفضائية الجزائرية التي استطاعتي بفضل مثابرة فِرَقِهَا العلـمية و عزيمة مـؤطريهاي من تجسيد أهـداف البـرنامـج الفـضائي الوطنـي على أرض الواقـعي لجديرة بأن تحظى من لدن كافة السلطات الـمعنية بكامل الدعم و العناية لكي تتمكني في الآتي من مراحل مهمتها من مواصلة تطوير قدرات خدمتها لفائدة البلاد.
إنـني أهيـب بكـل الـمسـؤوليـن الـمعنيين أن يسهـروا على صـون مـواردنا البشـريـة الـمتخصـصة وتشجيـعها وإنمائها من حيث هي نادرة و نفيسة ولكونها برهنت على قدرة ولوج بلادنا مجال النشاطات الفضائية الاستراتيجي بما سيكون لها من إسهام ملـموس في تنمية بلادنا الـمستدامة و تعزيز سيادتها و مكانتها في حظيرة الأمـم.
أما الهياكل الـمتخصصة التابعة لقيادة الأركان لجيشنا الوطني الشعبيي فإنها أهل للتنــــويه والثناء. و ينبغي لها الحفاظ على الخبرة التي اكتسبتها إبان عمليات إنجـاز القمر الاصطناعي ألكوم سات -1 ومختلف أشكال الدعم الذي قدمته لها و مواصلة تطويرها.
أيتها السيدات الفضليات،
أيها الســــادة الأفـاضـل،
نتطـلـع بشغـف إلى الارتقـاء بالتكنولوجيـات الحـديثـة في بلادنا إلى الـمـراتـب الأولى عبـر العـالـمي و أن يصـبـح هـذا القطاع الفضائي القاطرة التي تقود غيرها من القطاعات فذلكم هو الـمكسب الوحيد الذي يرضي الجزائر و يكون مقابلا لـما تغدقه بسخـاء من إمكانيات في سبيل ذلك.
إننا نثمن هذا الانجاز و نعده بداية مشوار جديد علينا خوضهي ذلكم أن الرهان اليومي كل الرهان يكمن في تحكمنا في التكنولوجيات وعـدم الاقتصار على استغلال ما حبانا الله به من خيــــراتي هي زائــــلة لا محالة و الإجتهاد من أجل ولـوج العالـم الرقمي الذي أضحى سبيل كل تطور و نجاح أي سياسة.
أدعو مختلف مؤسسات الدولة و هيئاتها و كذا مؤسسات القطاع الخـاص إلى الاستغلال الأمثل لـما يوفره هذا القمر الاصطناعي من خدمات وتطبيقات في مجالات نشاطها الـمتعددة.
لقـد أصبـح تطـور الاقتـصـاد اليـوم رديـف التحـكـم في التكنولوجيات الحديثة علـما أن اتساع الفجـوة بين الدول الـمتطورة و الدول غير الـمتطورة إنما هو راجـع إلى اختلافها من حيث سرعة تملك التكنولوجيا. وها همي علـماء وكالتنا الفضائية أثبتوا بما وفقوا فيه من إنجازاتي أن اكتساب التكنولوجيا وتملكها ليسا علينا صَعْبَيْ الـمنالي وأنه ليس محكوم علينا أن نحصر مبتغانا في اقتناء أدوات أنتجها سـوانا فلا منـاص إذًا لباحثينا و خبرائناي في جامعاتنا و معاهدنا و في مخابرهم و ورشاتهم من أن يُفَعِّلُوا تجاربهم و ابتكاراتهم ويقيموا جسـورا بينهم وبين الـمؤسسات الانتاجية سدّا للهوة الـموجودة بين عالـم الابتكار و مجال التطبيق الإنتاجي و التسويق و الاستهلاك و من ثمة الانتقال باقتصادنا إلى التصدير من خـارج مجـال الـمحـروقـات.
و في هذا الصـدد أجـدد التـزام الـدولة من أجل التحكم في التكنولوجيا الحديثة و جعلها في صلب صيرورة التنمية الاقتصادية بل و محركها الأساس.
كما أغتنم هذه السانحة لأدعو الشباب الجزائري الذي هو محط آمالنا أن يحذو حذو أعضاء الطاقم العلـمي لوكالتنا الفضائية و أن يتأسى بهم فيما تحلوا به من إرادة و أن يترجمها إلى إنجازات يُرَصِّعُ بها جبين الجزائر في شتى الـمجالات كل حسب موقعه و مسؤولياته ذلكم أن تظافر العزائم و الطاقات الحية في بلادنا وحده كفيل بتحقيق تطلعات شعبنا.
ختاما، أعبر مرة أخرى عن اعتزازنا و فخرنا بنخبنا الواعيـة و بما تنطـوي عليه من آمـال واسعـة وتطلعـات واعـدة و استشراف لـما يجب أن نكون عليه كأمة سيدة مؤكـدا وقـوف مؤسـسات الدولة إلى جانبها بصفتها طليعة الأمة و أملها و عماد نهضتها.
أتمنى لوكالتنا الـمزيد من النجـاح في مشاريع طموحة جديدة.
أشكركم على كرم الإصـغـاء.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته”.