ظهرت العلاقة الحميمة ما بين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في الفترة الأخيرة بشكل كبير، وهو الأمر الذي جعل العديد من التقارير الصحفية تتحدث عن أن هذا الثنائي أمام فرص كبيرة لتغيير الشرق الأوسط، لكن كيف سيكون هذا التغيير ؟! هذا ما أجابت عنه مجلة “بوليتيكو” ذائعة الصيت.
وقالت الجريدة في مقال كتبه سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى :” تلك العلاقة ربما تكون هي الأهم في المنطقة، فالأمير السعودي محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاما، والأمير الإماراتي محمد بن زايد، البالغ من العمر 56 عاما، لا يشتركان فقط بالرغبة في شن الحرب على إيران والراديكالية الإسلامية، لكن لديهما أيضا احترام عميق لاعتماد دول الخليج على أمريكا، وقام كلاهما بذكاء بتقريب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يريد أن يظهر بأن لديه إستراتيجية جديدة للتغلب على الإرهاب ومواجهة طهران”.
وتساءل الكاتب في مقال له عن الأسباب الكاملة التي تقف خلف الاحترام الكبير بين هذين الأميرين قائلا :” موضوع تخمين، حيث أن دول الخليج بالغة الغموض، ويعرف الأميران للدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب بـ(م ب س) و(م ب ز)، ويبدو أن العلاقة بينهما قائمة على علاقة التلميذ بأستاذه، حيث ينظر محمد بن زايد الأكبر سنا لـمحمد بن سلمان على أنه الملك المستقبلي للسعودية، الذي يحتاج إلى تعليم من أخيه الأكبر، أما محمد بن سلمان، الذي تناسبه صفة الغطرسة تماما، فيبدو أنه يتقبل نصائح محمد بن زايد، لكن قد تزعجه فكرة أنه الشريك الأصغر في هذه العلاقة”، مضيفا :” الرجلين هما القوة خلف عرشي بلديهما، ويقوم محمد بن زايد بشكل متزايد بإدارة شؤون أبو ظبي، التي فيها معظم مخزون الإمارات من النفط، منذ تعيينه نائبا لولي العهد عام 2003، وترفيعه إلى ولاية العهد عام 2004، بعد وفاة والده الشيخ زايد، مؤسس الإمارات العربية المتحدة”.
وتابع الكاتب :”من ناحية نظرية، فإن أخاه غير الشقيق الأكبر منه خليفة هو الحاكم لأبو ظبي ورئيس الاتحاد، لكن حالته الصحية سيئة، بسبب إصابته بعدة جلطات وأمراض، فهو لا يظهر في العلن، وأما محمد بن سلمان فهو يسير في طريق معلمه ذاتها، حيث عين نائبا لولي العهد بعد ثلاثة أشهر من تنصيب والده ملكا في أوائل 2015، وجمع خلال عامين سلطات تنفيذية تعدل تلك التي في يد (محمد بن زايد)، ولذلك يستطيع الرجلان الحديث معا بندية حول تقرير سياسات معينة وتطبيقها، وواضح أن الملك سلمان يحب ابنه، ويصادق على كل ما يتقدم به من سياسات أو أفكار”، مستدركا :” هناك مشكلة، فالعائق الوحيد أمام محمد بن سلمان أن يصبح ملكا هو ابن عمه محمد بن نايف ، البالغ من العمر 57 عاما، الذي يشغل منصب وزير الداخلية، ويعتقد أنه يكره محمد بن زايد بسبب أحد تسريبات ويكليكس، حيث وصف فيه الأخير نايف بن عبد العزيز بأنه يتلعثم، وقال إن ذلك يثبت أن (داروين كان محقا)، وهي النظرية التي تفسر على أنه شبهه بالقرد، ولذلك يرى محمد بن زايد أن فرصة محمد بن نايف بأن يصبح ملكا أمر خاطئ من ناحية وراثية، ويحضر بنائبه لذلك.
ولم يخفي التقرير الاختلاف بين الرجلين، حيث تابع :” لأميرين يتباعدان شيئا ما في الأمور التي تتعلق بقطر، حيث يبدو أن اهتمام محمد بن زايد منصب على تعاطف الدوحة مع عناصر من الإخوان المسلمين، وبالذات الدعم لإدارة محمد مرسي في مصر، التي لم تدم طويلا، وترى أبو ظبي أن المنتسبين للإخوان المسلمين المحليين خائنون، ولذلك قامت باعتقالات، وأصدرت أحكاما طويلة بالسجن، أما تركيز محمد بن سلمان فهو على إيران، التي ينظر إليها على أنها قوة حاقدة تزعزع الاستقرار في المنطقة، وكلاهما ساخط على سياسة قطر الحذرة من إيران، التي يمكن تفسيرها على أن البلدين يتشاركان في أكبر حقل غاز طبيعي بحري في العالم، وكلاهما غاضبتان من الإعلام القطري، وبالذات من فضائية (الجزيرة)، وترى أبو ظبي الأمير تميم بن حمد مجرد نائب عن أبيه، الأمير حمد، الذي تنازل عن السلطة عام 2013، ويشار إليه الآن بـ(الأمير الوالد)، واعتاد الأمير حمد، الذي استولى على السلطة من أبيه عام 1995، على الغزل الدبلوماسي غير المنضبط، ما أدى إلى ذعر السعودية والإمارات، فأقام علاقات مع إسرائيل، وحركة حماس، ومع أمريكا، وحركة طالبان ومع روسيا والإسلاميين المعادين لها”، مضيفا :”محاولة فهم تفاصيل أزمة قطر أمر صعب، لكن يبدو أن محاولة السعودية والإمارات عزل قطر كانت أمرا تم طبخه مسبقا، سواء كان الأمير تميم صرح تصريحات متعاطفة مع إيران، وهو ما تنفيه قطر، أم لم يفعل، لكن قطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الحدود، يثيران السؤال حول التحالف الذي يأمل محمد بن سلمان و محمد بن زايد بأن يحققاه، وموقف واشنطن كان محيرا، حيث انتقد ترامب قطر بتهمة تمويلها للإرهابيين، بعد 90 دقيقة من مطالبة وزير الخارجية ريكس تيلرسون السعودية والإمارات بالتهدئة، فما هي اللعبة الأمريكية؟ وكثير من المحللين الخليجيين قلقون من أن قطر لن تخضع، وسيكون الرابح دبلوماسيا هو إيران”.
وختم الكتاب تحليله بالقول :”فهل ستكون حملة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد على قطر نجاحا سريعا، أم ستتطلب تراجعا محرجا؟ إن الأمير تميم وأباه المراوغ يعرفان كيف يغيران مواقفهما بحسب ما تقتضي الضغوط، وفي الوقت الذي تستمر فيه هذه الأزمة سيحدد الدور الذي سيؤديه محمد بن سلمان ومحمد بن زايد معا، أو كل على حدة، في مستقبل المنطقة، نجاحهما سيعني وضع حد لطموحات إيران، وهزيمة لتنظيم الدولة، لكن الثقة الزائدة ليست هي الوصفة الصحيحة للنجاح، فيجب أن يتم الاستماع للعقول الهادئة في الرياض وأبو ظبي وواشنطن، فالخطأ في التحرك قد تكون له تداعيات سيئة للمنطقة وللعالم”.