قال المستشار أحمد مكي، وزير العدل المصري الأسبق إن القضاء المصري أمامه خيارين لا ثالث لهما في الأزمة الأخيرة والتي يمرون بها، وذلك بعد إقرار عبد الفتاح السيسي بعض التعديلات على مستوى السلطة القضائية.
وقال مكي في حوار له مع أحد المواقع العربية :” منذ عام 1952 والسلطة القضائية في تراجع متواصل يوما بعد الآخر، وهناك قضاة راغبون في الاستقلال وأحيانا ينجحون وكثيرا ما يفشلون، وقمة استقلال القضاء المصري كانت قبل 1952، وقد حصلنا وقتها على شهادات دولية لإلغاء المحاكم المختلطة، وتفيد بأن القضاء المصري بات يعادل في استقلاله القضاء الأوروبي والديمقراطي، وفقا لاتفاقية “مونترو”، بينما القضاء حاليا في وضع يُرثى له، وأنا أصفه بأنه الوضع الأسوأ على الإطلاق في تاريخ القضاء المصري كله، فهناك تدخل وعدوان عليه بلا حدود من قبل السلطة التنفيذية”، مضيفا حول استقلال القضاء :” استقلال القضاء مرتبط بالديمقراطية والحرية، ومصر لم تستكمل الديمقراطية في أي فترة من فتراتها، وحاليا لا يوجد أي استقلال حقيقي للقضاء في مصر، طالما أن الديمقراطية والحرية غائبة أو منعدمة.
وفكرة التوازن بين السلطات لم تحدث في تاريخ مصر؛ لأن هناك تدخلا وتغولا على السلطتين القضائية والتشريعية من السلطة التنفيذية، وقد يكون هناك ما يمكن تسميته بالتسامح بين السلطات وليس الاستقلال، فقد يتم السماح بعدم التدخل في بعض القضايا، وهذه حالات استثنائية، بينما قضايا الخصوم السياسيين بالتأكيد يكون هناك تدخل من أجل حماية السلطة وأنصارها ومعاقبة خصومها”.
وحول الضغوط التي تمارس على القضاء في مصر، قال مكي :” لا توجد ضغوط من قبل السلطة التنفيذية على القضاة ليتم إجبارهم على إصدار أحكام بعينها، بل يتم اختيار قضاة بعينهم لإصدار أحكام في القضايا المُراد لها أن تخرج بشكل معين، وهناك الكثير من عملاء أجهزة الأمن المختلفة داخل القضاء منذ نشأته، مثلما هو الحال في الإعلام أو الجامعات وكل قطاعات الدولة، فللنظام رجاله في كل العصور، وهو لا يتدخل بشكل مباشر بل بشكل غير مباشر من خلال عملائه داخل مرفق العدالة”، مؤكدا :” هذا قانون معيب ولا يمكن قبوله مطلقا، ويعني أن وزارة الداخلية هي من ستختار رؤساء الهيئات القضائية، وليس الرئيس ذاته، لأنه يسير وفق التقارير الأمنية التي تصل إليه لكل الجهات والقطاعات. وقضية المواجهة باتت حتمية بين القضاة والسلطة التنفيذية.
وما حدث هو استخفاف بشكل منقطع النظير بالسلطة القضائية، فقد تم ضرب عرض الحائط برأيها في هذا القانون غير الدستوري، ولم يُطرح رأيها في البرلمان من الأساس، ولم يتم التصويت بأغلبية الثلثين، ثم سرعان ما أقره السيسي، وفي اليوم ذاته نشرته الجريدة الرسمية، وهذه مهزلة كبرى”.
وحول ردة فعل القضاء، أفاد المتحدث :” حتى الآن هم أعربوا عن عدم رضاهم، واتمنى أن يتزايد غضبهم ويثبتوا على مواقفهم، التي يجب أن تكون على عظم الحدث وكارثيته.
وأعتقد أن واجب القضاة حاليا، هو الغضب العارم الذي أصبح فرض عين على كل قاض بكل وسائل التعبير المختلفة، فمن لا يغضب لا يستحق أن يكون قاضيا بأي حال من الأحوال، فإما أن يكونوا أو لا يكونوا، وعندما يجتمع القضاة على رأى يُستجاب لهم، وأتوقع أن يزداد ويتسع غضب القضاة حتى يسقط هذا القانون غير الدستوري بالمرة.
خاصة أن أول قانون للسلطة القضائية رقم 66 لسنة 43 نص في مذكرته الإيضاحية على أن “خير ضمانات القاضي هي تلك التي يستمدها من قرارة نفسه، وخير حصن يلجأ إليه هو ضميره، فقبل أن تفتش عن ضمانات للقاضي فتش عن الإنسان تحت وسام الدولة، فلن يصنع الوسام منه قاضيا إن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي، وعزة القاضي، وكرامة القاضي، وغضبة القاضي لسلطانه واستقلاله”.