إن مظاهر التشبث بالكرسي رأيناه في بلادنا مع الكثير من المسؤولين وحينما غادروا الكراسي بعد زمن طويل طويل جداً وبعد أحكام قضائية نافذة ولم تنفذ حينها للالتفاف حولها وجدنا من المصائب والكوارث ما لم يتحمل سماعه أو حتى رصده وجمعه وطرحه من السيرة الذاتية للراحلون عن الكراسي. ولعل من أبرز علامات الوصول بشعب إلى حافة الهاوية هو المطالبة بعهد خامسة للرئيس بوتفليقة لان هذا التعنت سيخرج الشباب ليطالبوا بالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية وإزالة رئيس كان نصب عينيه التشبث بالكرسي ومحاولة توريثه أيضاً.
أعاد نشطاء فيسبوكيون تداول صورة للرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا وهو يذرف الدموع لحظة مغادرته القصر الرئاسي بعد انتهاء فترة حكمه. وبتداول صورة دا سيلفا أُعيد الحديث عن حياته ونضالاته المستمرة وكيف جعل البرازيل قوة عالمية. وقطع دا سيلفا تعليمه في السنة الخامسة ابتدائي لإعالة أسرته، فتنقل بين حِرف بسيطة ثم عمل في قطاع التعدين ومن تم انتقل إلى العمل النقابي الذي دفع به في الحياة السياسية. وفاز برئاسة البرازيل وصار أول رئيس يساري للجمهورية منذ قيامها عام 1889 وخلال 2002-2010 وعند وصوله الحكم كرس قوته لخدمة الفقراء وأوصل البرازيل في 8 سنوات في مصاف الدول المتقدمة. وعند ولاية حكمه الثانية خرج الشعب بالملايين للمطالبة بتعديل الدستور ليبقى لولاية ثالثة فخطب بالجماهير وهو يودعهم قبل أن يغادر القصر الرئاسي وهو يبكي قائلا: ناضلت قبل عشرين سنة ودخلت السجن لمنع الرؤساء أن يبقوا في الحكم أطول من المدة القانونية كيف أسمح لنفسي أن أفعل ذلك الآن مضيفا ربتني أمي فقيراً ولكن علمتني كيف أحافظ على كرامتي أبقى مرفوع الرأس.
عانت الجزائر من حالة غريبة يعانيها المسؤولين في الدولة من ذوي المناصب الكبيرة وهي داء التباهي وحب الذات و التمسك بالمنصب وإعتباره ريعا يدر عليهم ربحاً. التشبث بالمناصب خلال السنوات السابقة جعلت الجزائر تنحدر إلى أقل مستوى في كافة المجالات لعدم إمتثال المسؤول لإرادة الشعب بالتنحي عن المنصب رغم إدعائه بأنه اختيار الشعب ويمثل إرادته.صارت الجزائر فقط إسم تتناثر حروفه بأفواه من لا يستحقون النطق بها وأصبحنا نفقد مستقبلنا ومستقبل أولادنا يوما بعد يوم لتردي الحالة التي نعيشها وسط جشع السراق والخونة ومن باع ضميره بأرخص الأثمان . أشرفنا اليوم على حافة الهاوية لنفقد كرامتنا وأخلاقنا ومبادئنا ونتجه نحو المجهول.
إن التشبث بالكرسي عادة سيئة لئيمة وخبيثة وسرطانية كلها أمراض ومن يلتف حول هذه الخاصية هم مرضى. إن هذه العادة وإن اتصفت بالعمومية بين البشر إلا أننا في بلادنا تميزنا بها وانفردنا بها مند الخلاف على من يخلف هواري بومدين في رئاسة الدولة. ولعل أشهر المذابح والخيانات في التاريخ كانت عادة التشبث بالكرسي هي سببها. لا شك بأن رقي المجتمع وتطوره وتطوير الأداء الديمقراطي وحرية التعبير ورفع الحظر عن الفكر الحر المؤدب والمستنير كل هذه العوامل هي طريق جيد لإبعاد صفة من أسوأ الصفات لدى مسئولينا وهي صفة التشبث بالكرسي.