بمجرد ما أن يشعر الشعب بالحغرة وانه مجرد رقم مجهول في وطنه يكشر عن أنيابه في وجه الحركي فيبادر هؤلاء الحاكمون إلى إلصاق تهمة «الأيادي الخارجية» بالشعب وكأنهم لا يريدون أن يفهموا أن أياديهم الداخلية هي سبب المشكلة، وأنهم أثقلوا علينا بما فيه الكفاية وأن وقت رحيلهم قد حان. إنهم يطلبون من شعب الجزائري أن يكون غبيا لكي تنطلي عليه الحيلة ويستمر في تحمل رؤية المسؤولين الموميائيين بوجوههم المنفوخة بالبوطوكس وشعورهم المصبوغة بالأسود والمسرحة بالسوشوار لسنوات أخرى طويلة. إنهم يطلبون منا أن نكون مواطنين صالحين، وهم عندما يطلبون منهم ذلك فإنما يقصدون أن نكون مواطنين صالحين لهم ولأبنائهم وعائلاتهم. يطلبون منا أن نكون شعبا معدما وصالحا، أن ندخل أيدينا في جيوبنا فلا نعثر سوى على فواتير الماء والكهرباء ولائحة بأسماء الدائنين الذين يطلبوننا أحياء أو أمواتا. يطلبون منا أن نكون مظلومين وعاقلين في الوقت نفسه حتى لا يضيفوا إلى لائحة اتهاماتهم جنحة الرجولة إنهم يطلبون منا أن نتوجع لكن بصمت.
الأيادي الداخلية تطلب من الأيادي الخارجية / يطلبون منا أن نكون حزينين بملامح مسرورة للغاية وأن نكون مفجعين بشكل حضاري حتى إذا صرخنا من شدة الألم أشعل الأمل والحبور في نفوس المفجعين من أمثالهم. يطلبون منا أن نذهب إلى النوم ببال مرتاح وأفكار مرتبة كملفات السكرتيرات حتى ولو كانت حياتنا كلها مبعثرة عن آخرها ولا تهتدي أيدينا إلى جيوبنا إلا بمشقة بالغة و يطلبون منا أن نكون أمناء ولا تختلط جيوب الناس بجيوبنا وأن نوقظ ضمائرنا إذا اختلطت علينا الجيوب وأن ننوم ضمائرنا كلما دس أحدهم يده في جيوبنا إنهم يطلبون منا أن نكون تعساء وودودين أن يبحثوا في أعماقنا فلا يجدوا سوى الغضب وأن نعرف كيف نصرف هذا الغضب بلا حمرة في العينين ولا حدة في الأنفاس ولا عض على الأسنان. إنهم يطلبون منا أن ننام بلا أحلام وإذا حلمنا أن نحكي عنها في الغد بشكل خاص جدا حتى لا تثير الشبهات حول النيام الآخرين الذين لا يحلمون بالليل ويؤجلون أحلامهم إلى الغد لكي يروها وهي تتحقق أمامهم في ضوء النهار. إنهم يطلبون منا أن نكون عميانا رغم أن عيوننا أوسع من نافذة وأن تنعدم الرؤية أمامنا كلما مر أحدهم هاربا بقطعة من الكعكة التي أعدها الشعب إلى الخارج وألا نفتح أعيننا إلا عندما يحين دورنا التاريخي في جمع الفتات، الذي هو نصيبنا النضالي جزاء بصيرتنا المتفانية في العماء. إنهم يطلبون منا أن نعيش سعداء وبسطاء أن نفترش أوراق الجرائد وأن نلتهم العناوين العريضة والمواضيع الدسمة في نشرات الأخبار يطلبون منا وأن نرتدي الثياب المستعملة وأن نضحك بانتظام على الأقل مرتين في اليوم وأن نحزن بكميات معقولة حتى لا نصاب بتضخم في القلب، فنزاحمهم على أسرتهم النظيفة في المستشفيات. إنهم يريدون منا أن نبكي بين حين وآخر لذلك يسلطون علينا كل تلك المسلسلات والبرامج الرديئة والمنشطين الثخينين في التلفزيون إنهم يطلبون منا أن نفكر دون أن نكلف أنفسنا عناء النزول إلى العمق وأن نظل بالمقابل فوق السطح معرضين ضمائرنا لتيارات الهواء الباردة.
إنهم يطلبون منا أن نكون عبيدا عندهم وان نكون مجرد أداة لتكبير ثروتهم إنهم يطلبون منا الكثير وفي المقابل نحن نطلب منهم طلب واحد هو ارحلوا وتركونا نعيش في سلام.