يقول الساسة إن الانتخابات هي الوسيلة والعملية التي يختار فيها الناخبون ممثليهم على المستوى المحلي أو الوطني بمؤسسات الدولة أو بالتنظيمات السياسية والنقابية، وعرّف جوزيف شومبيتر الديمقراطية في كتابه: ” Capitalism, Socialism, and Democracy” على أنها مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة”.
خيارات المشاركة من المقاطعة يضبطها ويحسمها نوع الانتخابات التي نحن بصددها فإما أن تكون نزيهة وشفافة فالمشاركة فيها أداة وخلاص سياسي مُجْدٍ، أو صورية مزيفة مزورة شكلية يجب أن تقاطع لأنها تكرس الحكم “الفردي” وتفقد الصدق والصراحة مع المواطنين ولكونها لا تفرز سلطة ولا تصنع قرارًا، وإن تركت هامشًا بسيطًا فهو صلاحيات محدودة، تورط كل داخل للعبة وتشل حركته وتجهض مشروعه ليجد نفسه “منفذًا” للتعليمات منصاعًا للتوجهات الكبرى المرسومة سلفًا، فتذهب مصداقيته في دواليب الخونة أو تنسجم معه إن كان فاسدًا يبتغي المنصب والمكسب.
المقاطعة إحدى الأدوات السياسية المهمة في نزع الشرعية عن النظم السلطوية داخلياً وخارجياً لذا فإن المشاركة، بغض النظر عن اتجاه التصويت، تعطى الانطباع بجدية الانتخابات والسياق المنتِج لها. وإذا كان نظام الحركي قد سمح بقدر من التنافس فهو يأتي في إطار ما يُطلق عليه في أدبيات العلوم السياسية “السلطويات المنتخبة”، وهو نوع من الأنظمة، التي تستخدم الانتخابات أداة للبقاء في السلطة داخلياً، وتكريس شرعيتها ونيل الاعتراف الدولي بها خارجياً. لذا، فإن مقاطعة هذه الانتخابات واجب وطني.
وتمثل المقاطعة أداة مهمة لكشف مدى نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها. وفي ظل عدم وجود رقابة حقيقية، أو جادة، من المنظمات الداخلية والخارجية على الانتخابات، فإنه من غير المنطقي إعطاء غطاء لها بالمشاركة والتصويت. والنزاهة، هنا، لا تقتصر، حسبما يتوهم بعضهم، على حرية الإدلاء بالصوت الانتخابي، وإنما على العملية السياسية كلها، والسياق الذي تجري فيه الانتخابات، خصوصاً من الناحيتين الإعلامية والقانونية، وهو أمر أبعد ما يكون عن الصحة. لذا يبدو أن نظام الحركي حريصاً على دفع الناس بكل الطرق، بما فيها الصحافة الصفراء والرسائل القصيرة، من أجل المشاركة في الانتخابات، لأنه يدرك حيوية هذه المشاركة، لكي يدشن شرعيته الجديدة لذلك فإن المقاطعة واجب وطني وإذا كان التصويت في الانتخابات فرض كفاية بالنسبة للحركي فالمقاطعة فرض عين بالنسبة للشعب.