تعيش السجون الجزائرية واقعا مرا تجسده الأسئلة المستعصية التي لم تستطع الإصلاحات المتتالية الإجابة عنها، فالسجن كمؤسسة إصلاحية قبل أن تكون مؤسسة عقابية يحتاج إلى إعادة النظر من خلال إرادة سياسية تتبنى مجموعة من النظم التي بإمكانها إنتاج مفاهيم و رؤا و تصورات تعيد الاعتبار للإنسان الذي يوجد خلف القضبان و الذي نتيجة جرائمه و أفعاله المخالفة للقانون خضع لتطبيق العدالة و الحكم عليه بعقوبات من مختلف محاكم الوطن.
أسئلة متوترة تلاحق واقع سجوننا، هل بناء مزيد من السجون كفيل بمحاربة الجريمة أم هو فقط لمحاربة الاكتظاظ؟ و هل السجن مؤسسة لإعادة الإدماج أم مؤسسة لتطوير الفكر الإجرامي؟ و هل الإمكانات المسخرة للمؤسسة السجنية كفيلة بإعادة تأهيل السجين للإندماج في المجتمع؟
هناك عديد من الأسئلة التي بقيت معلقة منذ إحداث اللجنة الوطنية للإصلاح العدالة التي أقرها السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ 1999، أسئلة مشروعة تنتفض من أشلاء مجموعة من الأحداث التي تعيشها سجوننا بشكل متكرر، و يعيشها السجين الذي قضى عقوبة سجنية خارج أسوار السجن و داخل المجتمع.
فالسجن من المفترض أن يكون مؤسسة لإعادة التأهيل الاجتماعي و النفسي و التربوي و المعرفي، لكن هل تتوفر بلادنا على الموارد المالية و البشرية و البنية التحتية والإرادة السياسية لتحقيق إصلاحات حقيقية؟
فلا يمكن اختزال إصلاح السجون و واقع السجناء في إقرار تشغيل السجناء في التشجير و غيرها من الأعمال، فالإصلاح يقتضي نظرة شمولية و مشروعا سياسيا متكاملا يشارك فيه جميع الفرقاء السياسيين و الاقتصاديين و التربويين و المهنيين و كل القطاعات، حتى يتحمل الجميع مسؤوليته و نكون نجيب واقعيا على أسئلة مستعصية تطارد السجن و السجين لعقود من الزمن.
فاليوم فلسفة العقاب اتخذت أشكالا و أبعادا متعددة، حيث يجب الاستثمار في السجين كثروة بشرية من خلال برامج إصلاحية تؤهل هذه الفئة اجتماعيا و نفسانيا لتندمج في واقعها و محيطها من خلال المؤهلات التي اكتسبتها داخل المؤسسات السجنية.
فإذا بقي السجن مجرد مؤسسة عقابية فإنه سيعرف مزيدا من الاكتظاظ و مزيدا من المشاكل التي ستستنزف خزينة الدولة، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى مزيد من المؤسسات التعليمية و المهنية.
فلا يمكن الانكباب على إصلاح المؤسسات السجنية دون دراسات علمية تجريها لجان متخصصة ترفع توصيات للجهات المسؤولة من أجل تكوين صورة متكاملة عن واقع و أفاق المؤسسة السجنية في وطننا.