نمت أخيرا و في الغد كدت أموت من الملل، لم تزرني ليلى و لا إياد .. لم يزرني أحد .. و لم أستطع النهوض من مكاني فأمضيت اليوم أتأمل سقف الغرفة، و أفكر .. و آه كم يتعبني التفكير .. و في المساء جاء الطبيب أخيرا ليطمئن علي فاستفسرته عن حالتي، لكنه لم يشف غليلي برد مقنع و لم يقل سوى أنه ليس علي أن أقلق بخصوص أي شيء، يجب أن أرتاح قليلا فحسب .. و دخلت الممرضة لتعطيني الدواء فاغتنمت الفرصة لأسألها إن كانت قد رأت أحدا من أقاربي، فأخبرتني أن الطبيب قد منع علي الزيارة ..
تضايقت كثيرا .. فأنا اصلا أكره البقاء بالمستشفيات .. و أريد الخروج بأسرع وقت ممكن، فلم زاد وحشتي و وحدتي و منع عني الزيارة ..و أمضيت اليومين التاليين ما بين تفكير مضن في ماضيّ و حاضري و مستقبلي .. تذكرت كل لحظة عشتها .. تذكرت يوم وجدت أمي جالسة على أرضية المطبخ تبكي بهستيريا، فظننتها تبكي بسبب مرض أو ألم، و مسحت على رأسها بطفولة و أنا أردد شفاك الله يا ماما، و لم أفهم أنها تبكي وجع رجل وهبته قلبها فلم يهبها سوى الألم .. و لم أفهم حتى حين جمعت حقائبنا و ذهبنا لمنزل جدتي .. و لم أفهم حتى حين كنت أسألها عنه فتجيب مسافر، لديه عمل، لا يستطيع البقاء معنا .. سيزورك قريبا .. و في نهاية كل إجابة تقول لي بابا يحبك يا ريمه .. و مازلت لا أذكر متى فهمت أني أبي طلق أمي ليتزوج زميلته في العمل، و مازلت لا أذكر متى تغير اهتمام أمي المفرط بي كي تعوضني عن الأب الذي فقدته، و يتحول لاهتمامها بنفسها كي تجد رجلا يحل محله .. و لا أذكر متى أصبح إياد كل دنيتي و عوضني عن كل ما لقيت، و وجدت معه حنان الأم و أمان الأب ..
تلوت أذكار النوم، و ظللت أستغفر حتى نمت .. و في اليوم التالي استيقظت فوجدته نائما على كرسي قربي، عدلت حجابي ثم ناديته :
– إياد .. إيــاد
– نعم .. صباح الخير ..
– صباح النور .. منذ متى و أنت هنا ؟
– منذ الصباح ، لم أرغب أن أوقظك .. لقد خرجت البارحة و أردت زيارتك لكن الطبيب قال أن الزيارة ممنوعة
ابتسمت وقلت ..
– خرجت إذن ؟ هذا رائع .. و متى أخرج أنا ، لقد مللت البقاء هنا …
– لا أعلم، لكن عليك البقاء حتى نطمئن عليك تماما ..
– لا بد أن جدتي قد قلقت علي ..
– اتصلي بها ..
قلت بأسى ..
– لم أحضر هاتفي معي ..
– إذا كلميها من هاتفي ..
فأجبته برجاء ..
– أنا لا أحفظ رقمها .. هل تستطيع أن تحضر لي هاتفي ؟ رجاء .. لا أريدها أن تعلم أني في المستشفى و ستجن لو غبت عنها أكثر من هذا ..
– تقصدين أن أحضره من شقتك ؟
– نعم .. لقد ذهبت ليلى إلى هناك و أحضرت لي بعض الملابس، لكني نسيت أن أخبرها عن الهاتف ..
– حسنا ..
– تفضل المفاتيح، شكرا لك …
– سأعود بسرعة ..
– رافقتك السلامة …
لا أنكر أني كنت في قمة سعادتي لرؤيته، فمازلت أتحول فجأة إلى مراهقة صغيرة أمامه، تنتقي كلماتها بحذر، و تخشى أن تفضحاها عيناها .. كما أني سعدت جدا لكونه بخير، فمنذ أيام فقط كان أمامي جثة هامدة لا يقوى على الحراك و هاهو الآن في قمة نشاطه و حيويته .. أتمنى لو أخرج أنا الأخرى بسرعة، فقد مللت كثيرا ..