عاشت الأسر الجزائرية التي يدرس أبنائها في البكالوريا على أعصابها لأسابيع منتظرة النتائج التي قد تحمل خبرا سارا للبعض و محزنا للبعض، فشبح البكالوريا بحمولته الاجتماعية و النفسية ينزل بكامل ضغطه على الأسر التي تعيش تحت الضغط و يلتهمها غول يسمى البكالوريا.
فالسؤال الذي يطرح نفسه أين الإعداد النفسي لمرحلة ما قبل الامتحان، و في الامتحان، و ما بعد الامتحان؟
سؤال يبقى مستعصيا في غياب الوعي الاجتماعي و المؤسساتي بأهمية الإعداد النفسي لمساعدة أبنائنا و تلاميذتنا لتجاوز ما يمكن أن نسميه أزمة الإمتحان.
بالإضافة إلى ضغط المواد و الدروس ينضاف ضغط الأباء على الأبناء، و كذلك ضغط تصريحات المسؤولين، و القيل و القال من هنا و هناك، هذا الضغط يقف حاجزا أمام أبنائنا لخوض امتحانات البكالوريا في ظروف نفسية مريحة تمكنهم من التركيز على الامتحان كمجموعة من الأسئلة تختبر معارف سبق لهم التعرف عليها، بمعنى آخر الامتحان لا يحمل أشياء ميتافزيقية، المشكل يكمن في الهالة الجانبية التي تتم إثارتها حول الامتحان.
إلى جانب مطالبة الأبناء بمعدلات لا تتوافق و قدراتهم التحصيلية، فهناك فروقات بين تلميذ و تلميذ، قد يحصل تلميذ على درجة عالية بأقل جهد في وقت يحصل تلميذ آخر على درجة أقل و بمجهود أكبر، فدقائق الأمور تقتضي بالضرورة و بروح المسؤولية معرفة مسبقة بقدرات أبنائنا و تلاميذتنا و تحفيزهم لبدل ما باستطاعتهم للحصول على الأفضل، فليس كل التلاميذ بإمكانهم الحصول على درحات عالية، و كذلك ليس كل التلاميذ سينالون البكالوريا.
هذا المنطق يغيب اجتماعيا و مؤسساتيا، لتبقى لغة الأرقام الخشبية تعتمل في عمق المجتمع و الإعلام و السياسة، في تناسي و تجاهل لتحليلات موضوعية تلامس الإشكالات النفسية التي ترهق أبنائنا، فمن غير المعقول أن نحاسب أبنائنا على نتيجة البكالوريا في وقت لم نكلف أنفسنا عناء إعداد أبنائنا بشكل و عادي و طبيعي للامتحان طيلة سنة و تأهليهم نفسيا لاجتيازه دون مركب نقص بعيدا عن الضغوطات التي ترافق الامتحان بشكل سنوي.
فالامتحان في الحقيقة يكون طيلة السنة بالمواكبة الدقيقة و المساعدة النفسية و المعرفية لأبنائنا، و فهم طبائعهم، و الوقوف على إمكانتهم، فعندما نطالبهم بأكثر من قدراتهم و لا نساعدهم في ذلك ستكون النتيجة اللجوء إلى الغش من أجل الحصول على معدلات ترضي الأباء و المجتمع.
السؤال ليس في البكالوريا في حد ذاتها و لكن فيما بعد البكالوريا، و هل أبنائنا مؤهلون للتوقيع على مشوار علمي ناجح يؤهلهم لولوج معاهد و جامعات و الحصول على درجات تسمح لهم بالتميز؟
امتحان البكالوريا ليس نهاية العالم أو بدايته، هو اختبار لمعارف تم تحصيلها مسبقا من أجل المرور إلى المرحلة الموالية، هو يدخل في إطار سيرورة طبيعية لا تحتاج هذه الهالة و الكم الهائل من الضغط و الترقب، و حتى نفهم أن المجتمع مسؤول بدرجة أكبر على هذا الغليان هو حجم الخسائر النفسية التي هي أكبر من الرسوب، في حالات كثيرة يضيع أبنائنا من بين أيدينا إما بالانتحار أو الانحراف أو ظواهر تكون نتيجة هذا الامتحان الذي نسوقه بهذا الشكل المرعب كأنه وحش ضخم مخيف، و هو في الحقيقة امتحان عادي كباقي الامتحانات التي تختبر معارف التلاميذ.
نتمنى أن يتم التنبه لجزئيات حاسمة في مسار حياة التلميذ، حيث يجب التعامل مع الامتحان في حجمه الطبيعي دون تضخيم مجتمعي أو إعلامي او سياسي، و المفتاح الوحيد هو الإعداد النفسي القبلي، فمؤسساتنا يجب أن تتوفر على معدين نفسيين مهمتهم تأهيل تلاميذتنا لاجتياز امتحان البكالوريا في ظروف نفسية مريحة و في سياق طبيعي عادي جدا يخرج طاقة و تركيز و معارف التلميذ و تمنحه القدرة للثقة في نفسه و قدراته و معارفه ليكون يوم الامتحان يشتغل بقاعدة: سؤال= معرفة، و يكون داخل السؤال لا خارجه.