باعتماد وزارة التربية الوطنية على عدد المناصب التي يحتاجها القطاع في تجاهل للمعدلات التي تحصل عليها المرشحون لاجتياز مباراة توظيف الأساتذة، تكون قد خلقت مفارقة: كيف يمكن لأستاذ تقدم للمباراة و حصل على معدل يفوق 14/20 أن يكون راسبا؟
مبرر الوزارة يكمن في عدد المناصب، و هو مبرر مقبول إذا سلمنا جدلا أن الوزارة لا يمكن أن تتجاوز عددا محددا من المناصب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي معايير النجاح إذا كان معدل 14/20 معيارا للرسوب؟
يجب إعادة النظر في مفهوم الامتحان حتى لا تضيع الطاقات و الكفاءات في متاهات إجابات لا تجيب على أسئلة الواقع، في وقت يحتاجها الوطن، كان حري قبول من لديه معدلا يفوق 10/20 و إيجاد مخرج لاحتضان هذه الطاقات و الاستثمار فيها عوض ربطها بعدد المناصب.
أكبر استثمار هو الاستثمار في العنصر البشري الذي هو مفتاح أي تنمية، فلا يمكن وضع حواجز ذاتية و موضوعية من خلال تحديد تقني لشروط قد تؤهل البعض لتحسين وضعيته الاجتماعية، لكن لا تؤهل الأغلبية، فالسؤال المطروح ما مصير من لم يسعفه الحظ ؟
يجب على الدولة أن تفكر جديا في هذه الإشكالات قبل أن تجد نفسها يوما أمام جيوش من حاملي الشواهد لا تقدم شيئا للوطن و تعيش بطالة مفتوحة، لا بد من وزارة التربية الوطنية و باقي الوزارات وضع استراتيجية للاستثمار في العنصر البشري و تأهيله و إعادة تأهيله، و توجيه التعليم لخدمة الإنسان و الوطن.
مؤلم جدا أن تصرف الدولة مبالغ مالية لتعليم و تكوين الإنسان الجزائري، و في الأخير نجده يعاني العطالة، لا الوطن استطاع أن يستفيد منه، و لا هو استفاد من الوطن.
جميع الشعوب تعيش إشكاليات من هذا القبيل، لكن تبقى اللمسة الخاصة في التنمية البشرية و خلق فضاءات أرحب لاستعاب المتغييرات التي فرضها منطق العصر و الواقع الذي هو تحصيل حاصل.
لا يمكن أن نتقدم خطوة للأمام و نحن لا نملك مفاتيح المستقبل التي هي طاقات الوطن من شباب حامل للشواهد، فإذا لم يتم الاستثمار فيها، و تطوير الآليات و الإمكانات لتكوين إنسان مؤهل يحقق المعادلة: معرفة = النفع.
لا خير في معرفة لا تعود على أجيالنا بالنفع الوفير، فتعليمنا يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع احتياجاتنا، و يجب أن يستجيب لشروط العصر الذي نعيش فيه بالانفتاح على المستجدات العالمية لتطوير تعليمنا الوطني الذي هو المستقبل، و علينا بالتوقف لطرح الاشكالات و الأسئة الكبرى حول جدوى التعليم بمشاركة خبراء وطنيين من مختلف التخصصات في ندوة وطنية من أجل تحديد المسار و الأفق حتى يكون التعليم منتجا، يحقق الأهداف التي نرسمها و نتوخى الوصول إلييها.
فبدون معرفة مكامن الخلل في منظومتنا التعليمية لا يمكن الرهان على حل مشاكلنا الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية المستعصية، فالمطلوب هو تشخيص الداء و إيجاد علاج مناسب له في الزمان و المكان المناسب، حتى لا يكون عدد المناصب معيارا للنجاح.