لم تكن مايسة سعدواي المدعوة خميسة، النقابية في قطاع التربية بتبسة، و البالغة من العمر 52 سنة، تعلم مصيرها بعد خطأ طبي سيكلفها استئصال ثديها الأيمن، بعد أربع حصص من العلاج الكيميائي، لتعلم فيما بعد من المخبر الطبي أنها لم تكن مصابة بالسرطان، وأنه ليس هناك أي داع لاستكمال التحاليل، فشعرت بصدمة أقوى وأعنف من الصدمة التي تلقتها عند سماعها خبر إصابتها بالسرطان، و مرت بلحظات عصيبة أثناء مرضها الذي “اخترعه” لها أطباء عجزوا عن تشخيص حقيقة الورم الذي أصابها، ما جعلها تدفع إلى اليوم فاتورة غالية من صحتها رغم مرور خمس سنوات على العملية.
حكت مايسة قصتها لأحد وسائل الإعلام الوطنية حول هذه المأساة التي ألأمت بها و التي تعود تفاصيلها إلى سنة 2010 حيث تعرضت للضرب من طرف زوجها السابق الذي ركلها ركلة قوية على مستوى الصدر، الأمر الذي تسبب في انتفاخ الثدي الأيمن وازرقاق في الظهر، وهو ما جعلها تطلب الطلاق في أواخر تلك السنة، وخلال هذه الفترة، شعرت بشيء صلب على مستوى الثدي الذي تعرضت فيه للضرب، فزارت الطبيب الذي نصحها بإجراء أشعة “ماموغرافي” وتبين من خلالها أنها مصابة بورم حميد يستحسن استئصاله، شعرت مايسة بالخوف وطلبت من الطبيب أن يصارحها بحقيقة المرض، فقال لها “لو كنت تعانين من ورم سرطاني لما طلبت منك استئصاله، لأن السرطان ينتشر في حال تعرض العضو المصاب للجراحة”، وفي سنة 2011 أجرت مايسة عملية استئصال الورم الذي كان يتعين عليها أن تأخذه إلى مركز التحاليل، وهناك صدمها الطبيب صدمة عنيفة عندما أشار عليها بضرورة استئصال الثدي لأنه مصاب بالسرطان، في الوقت الذي أخبرتها فيه طبيبة أخرى في سكيكدة أنها لا تعاني من المرض الخبيث.
فاستبد بها الخوف و أخذت بكلام الطبيب الأول الذي طلب منها أن تجري الاستئصال بعد أن تخضع لأربع حصص من العلاج الكيميائي، وحول هذه المرحلة تقول سعدواي إنها تعرضت لمعاناة شديدة بسبب مضاعفات الكيميائي التي تعتبر بحد ذاتها مرضا آخر أشد ألما، وبعد إنهاء الحصص، طلبت منها الطبيبة المختصة في العلاج الكيميائي أن تجري عملية استئصال الثدي فورا، والتي تمت في نفس العام، كما تم استئصال ثمانية من الغدد اللمفاوية، وكأن هذه العملية الخطيرة لم تكف صاحبتها ألما، ليقوم الجرّاح بإخاطة العصب مع العظم لتبدأ معاناة أخرى جعلتها عاجزة عن تحريك ذراعها، وبعد مرور أسبوع على العملية، خرجت من العيادة الخاصة، وهي في طريقها إلى البيت، اتصل بها أخوها ليخبرها أن مخبر عنابة الذي أجرى لها التحاليل الطبية اتصل به وسأله عن تاريخ استئصال الورم، فقال لهم إن ذلك تم في 26 فيفري 2011، فشعرت المريضة بأن هناك أمر ما، وبعد الاطلاع على التحاليل من طرف المخبر، علمت بأنها لم تكن مصابة بالسرطان، وأن جميع أعضائها سليمة، وأن من حقها أن تستعيد المبلغ المالي الذي دفعته لهم لإجراء باقي التحاليل لأنه لم يعد هناك أي داع لذلك.
صدمة قوية تلك عاشتها مايسة سعدواي في تلك اللحظة، التي اعتبرتها أعنف من الصدمة التي تلقتها عندما سماعها خبر إصابتها بالسرطان لأول مرة، كيف لا وقد بلغها هذا الأمر في اللحظة التي تصورت فيها أنها أنهت كل ما له علاقة بالمرض الخبيث، ودفعت أحد أعضائها ثمنا لكي لا يستفحل في جسدها، وهو ما جعلها فيما بعد غير قادرة على ممارسة حياتها بشكل طبيعي، وأصبحت عاجزة على آداء واجباتها المنزلية كما كانت، وصارت تعاني من أمراض كثيرة لم تكن تعاني منها من قبل.
وعندما تلقت مايسة نتائج التحاليل عبر الفاكس من مخبر عنابة، ذهبت بها إلى الطبيب الذي أشار عليها بضرورة استئصال الثدي، فقال لها “الحمد لله لم تعودي بحاجة إلى حصص أخرى من العلاج الكيمائي” وكأن شيئا لم يكن، وقام بتصوير نتائج التحاليل واحتفظ بها، وهناك عرفت المريضة أن الطبيب لم يفصح لها عن الحقيقة، أو بالأحرى لم يعترف بالخطأ الكبير الذي ارتكبه، بينما قالت لها الطبيبة المشرفة على العلاج الكيميائي التي طلبت منها هي الأخرى أن تجري عملية الاستئصال، أنه كانت لديها معطيات لذلك نصحتها بالعملية، وأضافت قائلة بعد أن أنهت مبرراتها “ما عندي ما نديرلك”!.
وقامت المريضة برفع دعوة قضائية ضد الطبيب الذي أجرى لها العملية، ومخبر التحاليل الطبية بتبسة الذي أوهمها بأنها مصابة بالسرطان، والطبيبة المشرفة على العلاج الكيميائي، وكذلك العيادة الخاصة التي أجرت فيها العملية والتي دفعت لها أكثر من عشرة ملايين غير أنها لم تجد فيها العناية اللازمة لمريضة المفروض أنها مصابة بالسرطان، بل عوملت معاملة سيئة، ناهيك عن سرقة أغراضها الشخصية داخلها، ولكن القضية حفظت لعدم ثبوت الخطأ الطبي كما أعلنت العدالة، التي أضافت أنه على الطرف الشاكي أن يلجأ للتعويض، فقالت مايسة لوكيل الجمهورية بأن كل كنوز الدنيا لن تعوضها عن صحتها التي ضاعت بين المخابر وأطباء عاجزين عن تشخيص أبسط الأمراض، بينما لم يرد كل من وزير الصحة والعدل على شكواها.
لتبقى مايسة ضحية من عشرات الضحايا الذين يتم ارتكاب أخطاء طبية في حقهم دون حسيب و لا رقيب، في وقت كان ممكنا أن تتعالج بالأدوية دون اللجوء إلى عمليات جراحية، و التي أودت في الأخير إلى استئصال ثذيها الأيمن، و إضافة معاناة نفسية انضافت إلى معاناتها الجسدية، ناهيك عن المعاناة مع القضاء الذي لم ينصفها.