فجأة تصاعدت بعض الشهقات المخيفة وأخذ يضرب برجله الأرض كالخروف عندما تقطع رأسه وتبقى فيه الروح نعم انه مساعد الأمير كنا قد نسيناه أو تناسيناه بوجود الأمير فحتى في الموت هناك محسوبية في الجزائر…ففي المستشفيات يأخذ العلاج والإسعافات الأولية الرجل الذي يملك السلطة والقوة أما باقي الخلق في ستين دهية كما يقول إخواننا المصريين لو كنا أعطيناه بعض الإسعافات الضرورية وقمنا بإنعاش قلبه المضطرب لكان اليوم يرى أبنائه تجري أمامه كان هذا الشخص هو المساعد واليد اليمنى لهذا الزعيم الملقي أمامنا ويعطي أوامره كأنه صورة طبق الأصل من تسلط وجبروت الجنرالات الحاكمة…
كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وينظر في سقف الغرفة كمن ينظر إلى ضيف ثقيل قد جاء على غفلة وفجأة بدأ يردد بصوت ضعيف “راني خايف إقتربت منه وسألته مناش راك خايف تشجع يا خو تشجع” نظر إلي بوهن وهو يقول “خايف منو مدرتش باش نلقاه تسائلت في نفسي ممن يخاف هذا الشخص الملتحي أتراه يخاف من مقابلة شخص مهم في الجماعة قد كلفه بمهمة لم يقم بها أو من أبيه أو تراها يهدي ثم قال ضيعت عمري في الفساد والقتل والغدر وهو يحتضر فنظر إليه الزعيم نظرة شر وقال ليحيى يحيى اسكت عنا هاد المعتوه فقد أزعجنا بما يقول وبما يهلوس فصدم يحيى ولم يعرف ما يقدم أو يؤخر وجعلت هذه الجمل المتفرقة من هذا الشخص الذي يصارع الموت تفتح أمامي عدة تساؤلات كيف لشخص يدعي أنه ينتمي إلى تيار إسلامي أن يقول مثل هذا الكلام ضيع حياته في الفساد والقتل والغدر ومن من يخاف من لقائه بهذا الشكل فقررت أن أعرف تقدمت منه مرة ثانية وسألته أخي من هذا الذي تخاف من لقائه هكذا ونظر إلي بعينين ذابلتين ورفع سبابته إلى السماء وابتلع ريقه بصعوبة مرة واثنين وثلاثة قبل أن يقول الله ثم مالت رأسه على كتفه الأيمن واختفى نور الحياة من عينيه وكان هذا الشخص أول معتقل أراه يموت أمام عيني وقد فتح عيني على أمور كثيرة وخطيرة مدفونة في عمق الجزائر التي كانت وما زالت تقدم قرابين للآلهة الحاكمة لا القرابين إنتهت ولا الآلهة شبعت حتى الرجل المريض المعتوه هاله المنظر وبدأ يدق في باب السجن كوحش مسعور مجروح ويصرخ بجنون جعل باقي غرف السجن تستجيب لصراخه وأخذ المعتقلون يصرخون وكل يصرخ على ليلاه فمنهم من يصرخ ويقول الله أكبر وأخر يردد تعيش الجزائر حرة وصوت ثالث يردد لا إسلامية لا إشتراكية إنما علمانية حرة درست الموضوع في رأسي وقلت إن إستمر الوضع هكذا فسيطلقون علينا كلابهم البشرية القاتلة وستكون مجزرة دموية يعلم الله نهايتها…
فصرخت بأعلى عندنا ميت هنا يا عباد الله وأخذت أكرر الجملة لأكثر من مرة وبأعلى صوتي ويا ناس عندنا ميت هنا صديقنا مات فجأة هدأ المكان كله وتكلم الصمت فاللموت رهبة وأصبح الكل يردد بخشوع إنا لله وإنا إليه راجعون “الله يرحموا مات في سبيل الجزائر” ونطق الصوت النشاز مرة أخرى وقال هذا يجب أن يعملوا له تمثال وفي لحظة جاء العسكر يهرولون إلينا فور سماعهم الخبر وتفحصوا الرجل بازدراء ولا مبالاة ونظر إلينا أكبرهم رتبة وقال قل أنت من قتل هذا… الأن فهمت المثل القائل “يقتلون الميت ويمشون في جنازته جيدا نظر إلى يحيى ثم إلي وقال “علاش قتلتوه” تكلموا يا مخنتين ونظر إلينا نظرة شاملة وهو يتلذذ بخوفنا ورعبنا البادي في عيوننا كالقط حينما يبدأ بالتلاعب بالفأر المسكين الذي لا حول له ولا قوة وفجأة أطلق ضحكة شيطانية مجلجلة هو وأقرانه وهو يقول سيأتي دوركم عما قريب إنتظروا والتفت إلي عسكره وقال بلهجة أمرة “رفدوا عليا الكلب وردموه مع خوتو الله يحرقكم كاملين” لقد جرو الرجل “الإنسان” الذي مات كما يجرون كيس القمامة بلا أدنى إحساس بالإنسانية أو بالإنتماء أو حتى أخوة الدم فوجدت تفسير واحد لهؤلاء الألات البشرية القاتلة (العسكر) إما أنهم يستعملون المخدرات وحبوب الهلوسة للقيام بهذه الأعمال الإجرامية والقتل والتعذيب بلا ضمير أو حتى لحظة تأنيب أو إما أنهم يخضعون لعمليات غسل دماغ وهذا مستبعد بالنسبة لدولة متخلفة كالجزائر فلا يبقى إلا التفسير الأول لأن البلاد مملوءة بالمخدرات بكل أنواعها وأشكالها والتي ماهي في واقع الأمر إلا خيط من خيوط اللعبة التي يمسك بها الجنرالات والتي يجيدون إستعمالها لتخدير الشعب وجعل نسب الجريمة ترتفع بين المواطنين ونسب الجهل والإنتحار وغيرها من أمور الشر تزدهر في عصر جنرالات فرنسا… تعافى الزعيم الإرهابي من إصابته وبدأ يتحسن ولكن ما لاحظته أنه لم يطلب منا أن نصلي صلاة الجنازة على الميت بل ولم يعد حتى هو يصلي أو يهتم بها وأحيانا حينما نكون نحن نيام كان هو يدخن السجائر لم أفهم كيف لزعيم جماعة إرهابية أن لا يصلي وأن يدخن السجائر ثم كيف يتم تسريب السجائر إليه ولوحده دون باقي أفراد المعتقل وفجأة كصاعقة تنزل على بغتة جاء العسكر وفي عيونهم شر وفتحوا الباب وقالوا “هيا يا بهلول ويا ولد الشيخ عيسى الكوميصير حاب يلعب معاكم هاد الليلة وهذا أخر ما توقعت أن يحدث هذه الليلة….يتبع