قال الباحث الفرنسي والكاتب فرانسوا بورقا مدير البحث بمعهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي إن ما حدث في العالم العربي هو انتصار مطلق للقوة على الطموح، مضيفا أن استدعاء نموذج الإرهاب جاء بسبب رغبة الحكام الغربيين والعرب في عدم إدخال اللعبة إلى الجانب السياسي.
وحول معركة الموصل قال المختص في العلوم السياسية والجماعات الإسلامية والعالم العربي :” للإجابة عن هذا السؤال؛ لا بُدّ من العودة إلى جوهر ظاهرة العنف، وما يُسمّ بالتشدّد والغلو الإسلامي. لُب هذا التشدّد هو في الحقيقة نتيجة لفشل مُؤسّسات التّمثيل السياسي في إدارة الموارد المادّية والرمزية للأوطان. بالنّسبة لما حصل في الموصل، نحن إزاء انتصار لمنطق القوة المُطلقة بعد مُقاومة طويلة جدا قد تعجز أي دول أخرى عن الإتيان بمثلها”، مضيفا :”ما حدث في الموصل هو أن العالم قدّم مفاتيح أبواب رُكام مدن سنية إلى مليشيات شيعية أو كردية، وبهذا الشكل فقد تمّ التأجيل زمنيا والتوزيع جغرافيا للمشاكل التي لم تقدر المنظومة الدّولية على حلها. في العراق كما في سوريا وغيرها من الدّول المُشابهة لها، طالما لم يتم بناء مُؤسّسات سياسية صلبة قادرة على معالجة الأسباب العميقة للتطرّف في الموصل. انتصرت القوة المُطلقة العمياء وفشلت السياسة”.
وحول الإظاهرة الجهادية، قال الكاتب الفرنسي :”من الناحية المبدئية؛ أنا لا أحمّل مسؤولية العنف السياسي للأيديولوجيا التي ينتمي لها أو تُعبّر عن عُنف المُتشدّد. الذي يصنع العُنف هو فشل المُؤسّسات السياسية، فهي التي تصنع أفرادا ناشطين سياسيا يُؤمنون بأن السياسة في واقعهم لا يُمكن أن تُمارس إلا بمنظور متشدّد، وعندما يجدون أنفسهم في هذا المناخ يختارون عقيدة مناسبة تتماشى مع مطالبهم”، متابعا :” لذين يُحمّلون العقيدة أو الأيديولوجيا مسؤولية التّطرّف يُخطئون. من يتحمّل المسؤولية هو من يصنع هؤلاء الأفراد الذين يختارون عقيدة تتماشى مع أهدافهم ورؤاهم السياسية. داعش لم ينته والذي انتهى هو هيمنته على رقعة جغرافية مُمتدة. وإذا ما فرضنا جدلا أنه انتهى، فبديله سيكون أكثر تطرّفا بالتأكيد، باعتبار أن المُعالجات قفزت عن الأسباب المُولدة لهذه الظاهرة”.
وقال الخبير الفرنسي في لقاء له مع أحد المواقع العربية متابعا حول نفس الموضوع :” الحُكّام الغربيون كما العرب يفهمون لب ظاهرة التّطرّف والتشدّد، ولكن يرفضون تبعات اعتماد هذا الفهم. هم يعمدون لإدانة أيديولوجيا العدو لأنهم بهذه الإدانة يرفضون أن يكون بينهم وبين هذا العدو خلاف سياسي. فهم عندما يقبلون أن يكون هناك خلاف سياسي يُقرّون بإمكانية تحمّلهم جزء من المسؤولية، وهو ما يتم تحاشيه من خلال اعتماد أسهل الحلول، وهو رفض النّظر إلى جوهر الخلاف واختزال كل أسبابه في الأيديولوجيا. المُؤسّسات الغربية تفهم أن جذور “الغلو الإسلامي” لهذه الجماعات تعود تاريخيا لغلو التواجد الغربي في العالم الإسلامي، لكنها لا تريد أن تتحمّل تبعات هذا الفهم”.