في زمن غير بعيد كان الجيران يعرفون بعضهم البعض ويهرعون لمساعدة بعضهم بل ويتعاونون لسدّ إيجار بيت الفقير منهم ويرسلون الطعام للجائع وهذا وجه مشرق من أوجه التكافل الاجتماعي التي انقرضت للأسف مع الطفرات وتحولات المجتمع العجيبة والتي جعلت الجار يثني على جيرانه لأنهم لا يحتكّون به وبأنهم لا يسلمون عليه وبأنهم اناس متحضرين هذا الثناء يدل على تحول اجتماعي خطير والذي أصبح فيه التواصل بين الجيران عيباً والجار الذي يكثر من السؤال عن جيرانه يوصف ب المتطفل.
ان انتشار وسائل الاتصال الحديثة والهندسة المعمارية العصرية للأحياء والعمارات السكنية ظهرت معه قيم أخرى تقوم على المنافع الذاتية والمادية وهو ما أفقد المجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات العربية كما هائلا من مقومات التآلف والتضامن واتخذت العلاقات الإنسانية اتجاهات بعيدة عن قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا التي ظللنا نتشبث بها ونحافظ عليها بقوة. أوشك مفهوم حسن الجوار على الانقراض وصار مألوفا لدى عديد السكان العبث بأعراض الجيران والتشهير بمآسيهم مما أدى بالكثيرين إلى لزوم بيوتهم والعيش في شبه عزلة اجتماعية دائمة.
للجار في القيم الإسلامية والآداب الشرعية حقوق تكاد تشبه حقوق الأرحام على عدة مستويات نذكر من بينها التزاور و التناصح الامتناع عن الإيذاء والصبر عليه تقديم العون والمؤازرة عند الشدائد والأحزان المشاركة في المباهج والمسرات… وقد قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه باعتبار الجار هو الأقرب إلى جاره من أقاربه حيث يراه يوميا والأكثر اطلاعا على مشاغله وقضاياه متى خلصت النوايا وتعمقت جذور الثقة مما يقتضي معاملته بلين ووقار والوقوف بجانبه في السراء والضراء وعدم تعريضه للإساءة أو الاعتداء. فأين نحن اليوم من علاقات الصداقة والقرابة وحسن الجوار بمجتمعنا ؟.
علينا بإعادة النظر في سلوكنا وعلاقتنا بجيراننا وإعطائها ما تستحقه من أهمية بالغة لأن رابطة الجوار تلعب دورا مركزيا في نهضة المجتمع وتطوره وتشكل إطارا لعلاقة إنسانية متميزة لما لها من تأثير عميق في بناء الأسرة وبالنظر إلى كون الجيران هم المحيط الاجتماعي المصغر للمجتمع فإن المجتمع لا يمكن أن يكون قويا وسعيدا ما لم نسهر جميعا كلا من موقعه على إشاعة روح التعاون والإيثار بيننا.