يقضي سكان البدو الرحل جنوب ولاية سيدي بلعباس شهر رمضان بنكهة مميزة تصنعها أجواء من التآخي والتلاحم والتسامح تجمع ما بين سكان كل بادية سواء في الليل أو النهار.
و أجواء رمضان في البادية ليست كغيرها في أماكن أخرى فعلى الرغم من مشقة الحياة وسط العراء في أرض تلتهب حرا في النهار يظل سكان البدو الرحل متمسكين بنشاطهم الأساسي المتمثل في الرعي الذي يعد مصدر رزق لهم.
و تزداد صعوبة هذا النشاط في شهر رمضان حيث تنطلق رحلة الصائم منذ بزوغ الفجر مثلما يرويه الحاج مصطفى ذي الخمسين ربيعا “متعبة حقا مهنة الرعي نحن ننهض قبل أن ترسل الشمس أولى أشعتها نتأهب ونخرج مواشينا للرعي ونلف رؤوسنا جيدا بعمامات تقينا حر الشمس لاسيما في الظهيرة”.
ويسترسل في القول : “وبعد أن تتوسط الشمس السماء عندما تزداد حرارة الجو نشمر على سواعدنا فنقوم بجلب ما نحتاجه من ماء يسد رمقنا عند الإفطار “.
و عندما تبدأ الشمس في تغيير اتجاهها نحو المغيب تبدأ رحلة العودة ,حسب الحاج مصطفى “نعود أدراجنا في المساء بخطى متثاقلة أنهكها يوم شاق من العمل والحر ونحن نجر ماشيتنا باتجاه الخيام التي نراها من بعيد أنسب مكان يمكن للمرء أن يخلد للراحة فيه”.
وعند بلوغ الخيام يقوم الراعي بالبادية بإدخال ماشيته ويحكم رباط الأبقار التي تغذت من خيرات الطبيعة وامتلأت بطونها بعشب يجعلها تذر له لبنا خالصا يروى منه الصائم عند الإفطار مع حبات من التمر.
و على مقربة من خيام سكان البدو الرحل تشم رائحة رمضان بنكهة البادية حيث تبعث النيران التي توقد بالجمر رائحة “الحريرة” الحساء المفضل للصائم عند الإفطار.
ويعرف سكان البادية موعد الإفطار بإشارات يتبادلونها فيما بينهم لتجد الجميع يفطر على حبات من التمر واللبن ويتجه حيث تقام صلاة المغرب جماعة.
وهكذا تجتمع العائلات على مائدة الإفطار حيث يفطر الصائمون من الرجال على مائدة وليس بعيد عنهم تجتمع النسوة لتناول الإفطار رفقة أولادهن.
وبعد الإفطار وقيام صلاة العشاء والتراويح تبدأ سهرة جديدة في البادية حيث يحلو السمر بين أفراد الدوار الواحد بقعدة سينية الشاي التي يتناوبون عليها حيث يحضر هذا المشروب على لهيب الجمر ويقدمونه مع حلوى الزلابية والفول السوداني وطبق السفة الشهير الذي يجمعهم حتى موعد السحور في أجواء أخوية يطبعها التلاحم والتآزر الذي صنعوه بأشياء بسيطة وبدائية بعيدا عن صخب المدن وضجيج الطرقات.