أعلنت جبهة القوى الاشتراكية، أمس في بجاية من خلال الأمين العام عبد المالك بوشافة أن حزبه سيظل ملتزما بمشروع الخروج من الازمة في الجزائر، والمتمثل في إعادة بناء “توافق وطني”. وجاء هذا التصريح من قبل هذا الأخير بمناسبة افتتاح مؤتمر الاتحاد بجاية، مشيرا الى ان “التوافق الوطني هو الحل الوحيد للأزمة متعددة الأبعاد التي تواجه البلاد.”
بالنسبة لعبد المالك بوشافة، “التحدي الآن هو إيجاد السبل والوسائل المناسبة لتلبية شروط النجاح من جانب أولئك الذين يؤمنون بمشروع وطني ديمقراطي.”
جبهة القوى الاشتراكية، خلال العامين الماضيين، لم تفوت اي فرصة للتأكيد مرارا على سياستها للخروج من الأزمة، خاصة سياسة “التوافق الوطني”كما أن. قادة الحزب يتصرفون كما لو أن جبهة القوى الاشتراكية لم تتغير منذ التسعينيات تلك الجبهة القادرة على حشد مئات الالاف من الاشخاص في مسيرة الى العاصمة و عرقلة الحركة في منطقة القبائل بدعوة للإضراب. هناك شيء متناقض في نهج حزب جبهة القوى الاشتراكية. فمن ناحية،تعرض اقتراح “التوافق الوطني” لرفض لاذع من قبل السلطة. ومن ناحية أخرى، ترفض الجبهة اقامة تحالف مع المعارضة المتمثلة في هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة كي تشكلا وحدة قوية ضد هيمنة السلطة. ويتساءل آخرون، في ظل هذه الظروف،عن قدرة حزب جبهة القوى الاشتراكية على فرض سياستها الوطنية للتوافق وحدها، مع العلم بأن الحزب قد فقد إلى حد كبير قدرته الكبيرة على التعبئة و العمل، الذي كان يتمتع بها خلال التسعينيات.
وبعبارة أخرى، فإنه يجب على حزب جبهة القوى الاشتراكية حشد مئات الآلاف في العاصمة، كما كان يفعل في الماضي، ليعزز شرعيته ومصداقيته لكي يتكافأ في المعادلة السياسية وجها لوجه مع الحكومة، من خلال سياسة التوافق الوطني.و منذ عام 2001، كل الحسابات السياسية لهذا الحزب لم تبرهن عن أي شيء من حيث نتائج السياسات التي كان يراهن عليها. ففي مايو 2001، أعقاب الربيع الأسود في منطقة القبائل، دعا حزب جبهة القوى الاشتراكية الى مقاطعة الانتخابات البرلمانية تحت شعار “من أجل معارضة مواطنة انتخابية سلمية وطنية.” وبعد ذلك بعام، حتى عام 2002، شاركت جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات المحلية، التي قاطعها الأقواس والتجمع من أجل الثقافة و الديموقراطية على أساس أن المسألة المحلية المحلية تختلف عن المسألة التشريعية ، ولعدم السماح للمافيا المفترسة للسلطة بالسيطرة على القبايل.بعد ثلاث سنوات، أي في عام 2005، نظمت السلطة الانتخابات المحلية الجزئية في منطقة القبائل متجاهلة عملية الانتخابات برمتها التي ينادي بها حزب جبهة القوى الاشتراكية في عام 2002. أيضا، من في السياق نفسه، شارك حزب جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات التشريعية عام 2012، عقب الربيع العربي. وكان الدافع وراء هذه المشاركة الحرص على حماية الجزائرمن الانهيار.
لأنه وفقا لنفس الحزب، انهيار النظام، في ظل هذه الظروف سيؤدي إلي انهيار الدولة كما حدث لدول المنطقة. وبعد بضع سنوات، بعد مرورإعصار الربيع العربي، ضاعف النظام شراسته مانعا المعارضة من أي مناورة ، بما في ذلك سياسة التوافق الوطني . نستنتج من كل هذه الإخفاقات التي تم جمعها منذ 2001 أن الحزب لم يستفد من دروس الماضي ، مصرا على اثبات جدارته بالثقة عبر ” التوافق الوطني ” . بل انه مصر على انه لا تزال لديه المصداقية ونفس القدرة على التعبئة كي ينتقل بالجزائر إلى الجمهورية الثانية. فمن أين له بهذه الثقة؟ .
سياسة “التوافق الوطني” هذه تذكرنا ب “المذكرة السياسة” التي أصدرها حزب جبهة القوى الاشتراكية في عام 2001 والتي كانت موجهة الى صناع القرار في البلاد. حتى في عام 2001 وفي ظروف الربيع الأسود، وجه نفس الحزب مذكرة سياسة للقادة العسكريين في تلك الفترة، دون دعم مبادرته من خلال توازن حقيقي للسلطة على أرض الواقع الشيئ الذي كان ليؤدي الى النجاح .وهذا، مع العلم أن الوضع كان مواتيا من حيث المصداقية والقدرة على التعبئة. ثم، في عام 2016، نفس الحزب الذي فقد كل امتيازاته و قوة الضاربة، يأتي بسياسة التوافق لتحدي النظام، ويتوقع أن يتفق معه هذا النظام دون أن يكون لديه توازن حقيقي للسلطة على ارض الواقع.