شهدت المؤسسة التشريعية بغرفتيها (مجلس الأمة و المجلس الشعبي الوطني)، خلال سنة 2018، المصادقة على مشاريع قوانين هامة منبثقة من التعديل الدستوري لسنة 2016 ومواكبة لتطور المجتمع الجزائري، كما سجلت نشاطا مكثفا في إطار الدبلوماسية البرلمانية.
ومن أهم مشاريع القوانين المصادق عليها خلال هذه السنة التي عرفت في شهر يوليو المنصرم اختتام الدورة البرلمانية الأولى من العهدة التشريعية الثامنة 2017-2018 وافتتاح الدورة العادية 2018-2019 في شهر سبتمبر الماضي، مشروع القانون العضوي الذي يحدد شروط و كيفيات الدفع بعدم الدستورية الذي صدر في الجريدة الرسمية شهر سبتمبر.
ويعد هذا القانون لبنة هامة وخطوة كبيرة وفارقة في تعزيز الحقوق والحريات عبر ضمان الطعن من قبل المتقاضين في أي حكم ينتهك الحقوق التي يضمنها الدستور، وهو النص السابع الذي أعدته وزارة العدل في اطار النصوص القانونية المنبثقة من التعديل الدستوري لفبراير 2016 والتي تندرج في اطار تعزيز دولة الحق والقانون واستقلالية القضاء.
وستمكن آلية الدفع بعدم دستورية القوانين التي سيشرع في تطبيقها في السابع من مارس المقبل، بإدراج تعديلات على النصوص القانونية التي سيثبت تعارضها مع القانون الأسمى للبلاد وبالتالي مراجعتها حتى تصبح مطابقة له بشكل كلي، وستسمح للمجلس الدستوري وللمرة الأولى في تاريخ المنظومة القانونية الوطنية بالمراقبة البعدية لدستورية القوانين.
كما صادق البرلمان،على مشروع القانون العضوي المتعلق بالمجمع الجزائري للغة الامازيغية، الذي جسد إرادة السلطة العليا للبلاد في تعزيز الهوية الوطنية من خلال اعتماد الإطار التشريعي والأدوات القانونية الملائمة التي تمكن من الارتقاء باللغة الامازيغية وفق مقاربات علمية رصينة وبعيدة عن كل مظاهر التشنج والارتجال.
ويحدد هذا القانون مهام وتشكيلة وتنظيم وسير هذا المجمع الذي سيؤدي مهامه بالتعاون مع جميع الشركاء المعنيين، سيما الهيئات الوطنية والجمعيات التي تنشط في مجال ترقية اللغة الأمازيغية وتطويرها.
ومن جهة أخرى، وافق ممثلو الشعب على مشروع القانون المتعلق بالصحة الذي يضمن الحق في العلاج في كل الوطن عبر قطاع عمومي ومؤطر، ويكرس العلاج المجاني لكل المواطنين المتواجدين فوق التراب الوطني سيما الاشخاص الذين هم في حالة صعبة.
كما كرست أحكام نص القانون أيضا مبدأ الطبيب العام المرجعي الذي سيكون المحور الذي بفضله ينظم العلاج في الجزائر، ومن أهم ما تضمنه القانون أحكاما ترمي إلى جعل الحصول على الخدمة العمومية للصحة “سهلا وأكثر نجاعة”، مع ضمان استغلال أفضل لقدرات القطاع الخاص وعروض العلاج التي يقدمها قصد التكفل بالمواطنين في أحسن الظروف، وذلك عبر إدراج عدد من الإصلاحات الضرورية لتتماشى مع التطورات التي عرفها المجتمع الجزائري وما ترتب عنها من أعباء جديدة على عاتق الدولة تفرض البحث عن مصادر جديدة في مجال الموارد.
كما ينص القانون الذي جاء لتحيين طرق تسيير القطاع وفق القانون المعمول به منذ سنة 1985، على إدراج ترتيب يتعلق بأخلاقيات طب الأحياء، يضبط القواعد المرتبطة بزرع الأعضاء والأنسجة والخلايا البشرية وكذا المساعدة الطبية على الإنجاب والتبرع بالدم والدراسات العيادية.
وقد صادق البرلمان بغرفتيه خلال نفس الفترة، على مشروع القانون العضوي الخاص باختصاصات مجلس الدولة ومشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية، ومشروع قانون المالية لسنة 2019 ومشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018 ومشروع قانون تسوية الميزانية لسنة 2016، بالإضافة إلى مشروع القانون المتعلق بالتجارة الالكترونية.
وكان للدبلوماسية البرلمانية خلال هذه الفترة نشاط مكثف، لاسيما من خلال المشاركة في مختلف المنتديات البرلمانية الإقليمية والجهوية والدولية للدفاع عن مصالح الجزائر وتجديد مواقفها الثابتة والداعمة لقضية الشعب الفلسطيني وكذا نضال الشعب الصحراوي من أجل تقرير مصيره، كما قام المجلس بتأسيس وتنصيب العشرات من المجموعات البرلمانية للصداقة مع دول شقيقة وصديقة.
وعرف النشاط البرلماني هذه السنة تنفيذ عدد من الآليات الرقابية الأخرى، منها القيام بالمهام الاستطلاعية والزيارات الميدانية للولايات، كما تم توجيه العشرات من الأسئلة الشفوية لأعضاء الحكومة، بالإضافة إلى جلسات الاستماع لمناقشة برامج عمل بعض القطاعات الوزارية، إلى جانب تنظيم أيام برلمانية ودراسية مختلفة.
ومرت الغرفة السفلى للبرلمان في نهاية شهر سبتمبر الماضي، بأزمة تسببت في تجميد نشاطاتها على خلفية لائحة طلب الاستقالة التي قدمها رؤساء خمس مجموعات برلمانية تشكل الأغلبية للسيد السعيد بوحجة، منددين بــ”التجاوزات والخروقات” التي تمت ملاحظتها داخل المؤسسة التشريعية، وبعد أسابيع من التصعيد، عرفت هذه الأزمة انفراجا بتاريخ 24 أكتوبر الماضي من خلال انتخاب السيد معاذ بوشارب رئيسا جديدا للمجلس الشعبي الوطني، حيث تعهد بـ “تكريس ثقافة الشراكة” داخل الغرفة السفلى للبرلمان وكذا “ترسيخ قواعد التعاون مع الحكومة على قاعدة الفصل بين السلطات”.
وانتهت سنة 2018 بتنظيم انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الامة أين فاز حزب جبهة التحرير بأغلبية المقاعد (29 مقعد) متبوعا بالتجمع الوطني الديمقراطي ب11 مقعد، محافظين على اغلبية احزاب التحالف الرئاسي داخل الغرفة العليا للبرلمان.
ومن جهته، يعكف المجلس الشعبي الوطني على دراسة أحكام نظامه الداخلي الساري المفعول من أجل تكييفها مع الدستور الجديد وكذا القانون العضوي الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، وقد أكد رئيس المجلس السيد معاذ بوشارب على ضرورة أن يحظى هذا النظام الداخلي بـ”قبول وتوافق كل التشكيلات السياسية الممثلة في المجلس”.