صرح الوزير الأول، عبد المجيد تبون، أمام أعضاء المجلس الشعبي الوطني الجديد، الذين ينحدر الكثير منهم من أوساط المال والأعمال، أن الحكومة ستعمل على التفريق بين المال والسلطة، وهو المسعى الذي جاء به، من أجل “أخلقة الحياة السياسية”، كما قال.
هذا الانشغال الذي رفعه تبون في مخطط عمل حكومته، بينما كان بصدد عرضه على نواب الشعب، قال إنه يستهدف “استحداث آليات وقواعد جديدة لتأطير الحالات المتعلقة باستغلال النفوذ لتحقيق مآرب شخصية”، وهو مسعى ظل حديث الأوساط السياسية خلال السنوات الأخيرة، التي طبعها تداخل ما هو سياسي بما هو اقتصادي أو بالأحرى مالي، في مشهد لم تعرفه البلاد إلا منذ نحو خمس سنوات ونيف.
فيما تعج الغرفة السفلى للبرلمان بوجوه جديدة تملك من المال ما مكنها من صنع القرار السياسي خلال الانتخابات التشريعية وبعدها، حيث تصدّر رؤوس القوائم في الأحزاب الموالية للسلطة، وفي مقدمتها حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وفي غيرها من الأحزاب وجوه معروفة بانخراطها في قطاع المال والأعمال، لكن الكثير منها لا يتوفر على المستوى التعليمي الذي يشفع له بالتقدم على منافسين لهم في قوائم التشريعيات الأخيرة.
وأبدى تبون في مداخلته شيئا من الصرامة في السعي للفصل بين المال والسياسية، بل إنه وضع من يريد خوض غمار السياسة أمام خيارين، إما تطليق المال أو التخلي عن السياسة: “سنفرق بين المال والسلطة وليسبح كل في فلكه”، كما قال.
ولتبديد أي سوء فهم لهذه التصريحات، حرص تبون على التأكيد أن تشديده على فصل المال عن السلطة (كما وظف عبارة فصل المال عن السياسة)، نفى أن يكون كلامه هذا استهدافا لأرباب المال والأعمال، وهو تطمين لا يراه البعض كافيا بالنظر للتداخل الحاصل بين المال والسياسة، والذي يجسده الكثير من النواب ممن كانوا يستمعون لتبون في مبنى زيغود يوسف.
ويجهل لحد الآن السلاح الذي سيعتمد عليه تبون في معركته الجديدة، فالنصوص القانونية ليس فيها ما هو واضح بالشكل المأمول لمحاربة هذه الظاهرة، التي باتت جزءا من النسيج السياسي والإداري للدولة خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ سنوات لم يسمع عن مسؤول في مستوى وزير أول كلاما من هذا القبيل، على الأقل منذ فترة الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، أو الذي سبقه (أحمد أويحيى)، الأمر الذي يدفع للتساؤل إن كان الأمر يتعلق بقرار تم اتخاذه على مستويات عليا، أم أنه مجرد موقف صادر عن وافد جديد إلى الوزارة الأولى، يجهل تقاليد ودهاليز النظام القائم، وهو أمر مستبعد.
وكانت زعيمة حزب العمال قد خاضت حربا ضد من أسمتهم “الأوليغارشية الجديدة”، وكانت تشير بهذا المصطلح إلى الوجوه الوافدة إلى السياسة ممن يملكون المال، كما كان الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، ممن حملوا لواء محاربة اختلاط المال بالسياسة في خطاباته الشهيرة، غير أنه ترك منصبه ولم يتحقق من كلامه شيء، لأن الشكارة فعلت فعلتها بعد ذلك في حزبه، على حد ما ذكرته أوساط سياسية وإعلامية.