لم ينجح إيمانويل ماكرون، حتى الآن في أحد أهم الملفات الخارجية، ويتعلق الأمر هنا بليبيا، التي تعيش في الوقت الحالي على أثر عدم الاستقرار الكبير، والانقلابات العسكرية.
وقامت مجلة “فورين أفيرز” اللأمريكية الشهيرة تقريرا عن البعد الدولي، للصراع الداخلي الذي تعيشه ليبيا في الوقت الحالي، بعد أن عقد إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي لاجتماع مع فايز السراج المعترف بحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها في طرابلس دوليا، والمارشال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، بعد أن اتفق الطرفين على وقف اطلاق النار.
وقال التقرير :” تلك الصفقة ولدت عناوين صحف إيجابية، وخدمت بصفتها إنجازا دبلوماسيا مبكرا للرئيس الفرنسي الشاب، لكن بإشراك حفتر في المفاوضات، بالرغم من دعم كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو لحكومة التوافق الوطني، حولته فرنسا من أمير حرب مارق إلى لاعب سياسي شرعي، مشجعة خططه لغزو وحكم البلاد ككل، ولذلك فليس من المتوقع أن تقود قمة باريس إلى حل قريب للحرب الأهلية في ليبيا”، مضيفا :” مبادرة ماكرون الدبلوماسية، التي فضلت حفتر، أتت متماشية مع أفعال فرنسا السابقة في ليبيا في السنوات الأخيرة، فمنذ بدايات عام 2015 ساعدت فرنسا تحالف حفتر، ووفرت له المستشارين والناشطين السريين والقوات الخاصة في شرق ليبيا، بينما لم توفر شيئا لحكومة الوفاق الوطني، وقال حفتر في فبراير لصحيفة فرنسية إن فرنسا تؤيد حكومته (معنويا ومن ناحية أمنية)، (وكانت فرنسا قد اعترفت علنا بذلك الدعم في يوليو 2016 بعد أن قتل 3 جنود فرنسيين تابعين للقوات الخاصة في تحطم طائرة هيلوكوبتر بالقرب من بنغازي)”.
وتابع التقرير الأمريكي :” “بطل حفتر في باريس هو وزير الخارجية جان إيف لو دريان، حيث خدم ما بين عام 2012 إلى 2017 وزيرا للدفاع تحت رئاسة فرانسوا هولاند، حيث استغل ذلك الموقع بشكل فعال لتكريس التغير في السياسة الذي حصل في عهد سلف هولاند، نيكولاس سركوزي بعيدا عن سياسة الخارجية المنضبطة تحت رئاسة جاك شيراك (1995 – 2007) إلى سياسة التدخل في السنوات الأخيرة، عندما يتعلق الأمر بأفريقيا والشرق الأوسط، وشكل ذلك نقلة كبيرة لفرنسا من حمائمية العقد الأول من الألفية”، مستطردا :” صقور فرنسا الصاعدين ينقسمون إلى فريقين. الأول يمثله ساركوزي، وفي أوائل رئاسته دعا هولاند للديمقراطية الليبرالية، وكان يميل لتغيير الأنظمة، ولم ينتقد هولاند مثلا قرار ساركوزي الإطاحة بالقذافي عام 2011، وكان مشجعا منذ البداية للتدخل الغربي في سوريا ضد نظام الأسد، أما الفريق الثاني فهم أكثر تشككا (وفي نظرهم) أكثر براغماتية، ويثمنون الاستقرار في أفريقيا والشرق الأوسط، ويفضلون السعي خلف المصالح الفرنسية عسكريا، حيث يواجهون الحركات الجهادية، ويشنون حملة أيديولوجية ضد الإسلام السياسي في الخارج”.
وأشار كاتب التقرير وهو الباحث جلال حرشاوي : “فرنسا شكلت على مدى الخمس سنوات الماضية علاقات أمنية قوية مع بوركينا فاسو وتشاد ومصر والأردن ومالي وموريتانيا والنيجر، وهي تحارب تنظيم الدولة عسكريا في العراق وسوريا وفي الوقت ذاته تسعى لتحسين العلاقات مع السعودية بتأييدها ضمنيا للحرب في اليمن، واتخاذ موقف صارم ضد الاتفاق النووي مع إيران، وحتى منح وسام شرف العام الماضي لولي العهد السعودي آنذاك، الأمير محمد بن نايف، بالإضافة إلى أن فرنسا عززت علاقاتها مع الإمارات، حيث لديها قاعدة عسكرية هناك منذ عام 2009″، موضحا :”من المغرب وحتى ساحل العاج ومصر وأبعد من ذلك كلها مناطق تحت التأثير الفرنسي، وفي هذا السياق تبدو أن ليبيا يحكمها حفتر أمر منطقي، ولأن ماكرون تبنى نهج لو دريان، ولن تكون التهم الموجهة لحفتر بارتكاب جرائم حرب، ولا ميوله لحكم عسكري غير علماني ولا ليبرالي أمرا يهم باريس”.
وواصلت “فورين أفيرز” :”بالإضافة إلى السياسة الفرنسية، فإن الرياح الدولية تحولت لصالح حفتر، حيث يدعم المارشال وجيشه كلا من الإمارات ومصر والأردن وروسيا، وهو ما يتماشى مع النموذج الذي وضعته أمريكا والسعودية خلال القمة التي انعقدت في الرياض في مايو، التي تؤكد مكافحة الإرهاب ومعارضة الإسلاموية على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقبل المحادثات في باريس قال ماكرون ودونالد ترامب للإعلام بأنهما (يشاركان النوايا ذاتها بالنسبة لليبيا)، وهو ما يعني أن واشنطن أعطت باريس الضوء الأخضر لتؤدي الدور الرائد في البلد”، موردا :” الرئيس أوباما كان مؤيدا قويا لحكومة التوافق الوطني، لكن إدارة ترامب تراجعت عن التدخل في ليبيا، وقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون بأنه سيلغي قريبا منصب المبعوث الخاص لليبيا، وأولوية واشنطن الحالية هي منع تنظيم الدولة من التمكن في ليبيا، لكن أكثر من تلك المهمة فإن أمريكا سعيدة بأن تترك أمر ليبيا لحلفائها للتعامل معها بالشكل الذي يرونه مناسبا”، مستدركا :” “تراجع واشنطن عن دعم حكومة الوفاق الوطني هو مكسب لحفتر، الذي استغل مثلا الهجوم في 26 مايو على كنيسة قبطية في المنيا، واستغلت مصر الهجوم لتقوم بغارات جوية في ليبيا استهدفت معارضي حفتر غير المرتبطين بتنظيم الدولة، وبقيت أمريكا صامتة، وعبر لو دريان عن دعمه لما قامت به مصر، وامتنعت فرنسا أيضا عن نقد الإمارات لخرقها للقانون الدولي بإرسال أسلحة إلى حفتر، وبتشغيل قاعدة جوية في شرق ليبيا”.