يعتبر يوم عرفة أهم ركن في الحج لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في ذلك: (الحج عرفة) وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج هو عرفة و هو الركن الأعظم و من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج لأن الرسول بين ذلك فقال: (الحج عرفة فمن أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج) فدل ذلك على من لم يدرك عرفة فقد فاته الحج فيوم عرفة عيد من الأعياد العظيمة وإن لم يعرف بأنه يوم عيد، فقد ظهر أنه يوم فرح وسرور، حيث دعا الله فيه عباده إلى طاعته وعبادته، وفتح له أبواب سماواته، ليتلذذ المؤمنون فيه بلذيذ مناجاته، وكفى بذلك موردا لسرور المؤمنين وفرحهم بالقرب من الجليل، قال الله تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)سورة البقرة:آية 198، وكذلك بسط لهم موائد إحسانه وجوده، ووعدهم فيه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب، وأذِن للمقبل عليه والمعرض عنه في الطلب منه، والشيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أي وقت سواه.
وأجمع العلماء على أن صيام يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام جميعها بعد صيام رمضان لما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (… صيامُ يومِ عرفةَ، أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعده …) فصيام يوم عرفة رفعة في درجات العباد عند الله سبحانه وتعالى، وبابٌ لتكثير حسناتهم، وتكفير سيّئاتهم، وقد ثبت في الحديث السابق أنّ صيامه يُكفِّر ذنوب سنة قبله وذنوب سنةٍ بعده، ويُقصد بذلك تكفير الصغائر من الأعمال السيئة دون الكبائر من الذنوب، وذلك التكفير مشروطٌ بترك الكبائر فقد قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا). فلا ينبغي للحاج في يوم عرفة الصيام، بل عليه أن يتفرّغ لعبادة الله بسائر الأعمال غير الصيام كالدعاء والذكر وقراءة القرآن، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صومِ يومِ عرَفَةَ بعرَفَةَ) وعن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (أنهُم شَكُّوا في صَوْم النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عَرَفَة، فبُعِثَ إليهِ بقَدحٍ مِن لَبنٍ فَشَرِبَهُ) فحتى يتيقّن الناس من صيام النبي أو إفطاره أثناء وقوفه بعرفة بعثوا له قدحاً من اللبن فشربه؛ مما يشير إلى أنّ الأولى للحاج عدم الانشغال بصيام يوم عرفة عن باقي العبادات حتى يبقى جسده قوياً على الطاعة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أكثر من ذلك فقالوا أنّ صيام يوم عرفة محرّمٌ على الحاج؛ بناءً على النهي الوارد في الحديث الأول إذ يدلُّ ذلك على التحريم، وكَرِهَ آخرون صيام يوم عرفة للحاج، وقد استحبَّ أبو حنيفة ومالك والشافعي وسفيان الثوري وجمهورٌ من الصحابة للحاج الإفطار في يوم عرفة.
أمّا وقت بداية يوم عرفة ففي ذلك رأيان؛ الأول: أنّه يبتدئ من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة وينتهي بطُلوع فجر أول أيام عيد الأضحى الذي هو يوم النّحر، أمّا الرأي الثاني: فهو أنّ بداية يوم عرفة تكون عند طلوع فجر التاسع من ذي الحجة، وينتهي وقته بطُلوع فجر يوم النحر الذي هو يوم عيد الأضحى.