قال الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست إن المنطقة العربية ستشهد وبشكل مؤكد موجة ثانية من الثورات العربية لكن هذه المرة لن تكون هذه الثورات منظمة وسلمية، بل ستكون أعنف وغير قابلة للسيطرة عليها.
وعلق هيرسيت على هذه الفكرة بالاحتفال بالذكرى الرابعة للإنقلاب العسكري الذي شهدته مصر في عهد الجنرال عبد الفتاح السيسي إذ أفاد :”عندما يكون أحد الحلفاء قد ارتكب مجزرة مثل تلك التي وقعت في ميدان رابعة في أغسطس 2013 والتي “قد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية” – وهذه هي كلمات منظمة هيومان رايتس واتش وليست كلماتي – فإن الموقف الطبيعي يتمثل في أن تنأى بنفسك عنها”، مضيفا :” ولكننا لا نعيش في أوقات اعتيادية. إذ لا يكتفي رعاة الانقلاب في مصر بالتفاخر بما جرى، بل ويهددون باستخدام نفس الأساليب ضد جارتهم الخليجية التي تستعصي عليهم، لقد ثملوا من السلطة والنفوذ، حتى أنهم يتوقعون إذا ما لوحوا بعصى غليظة أن يخنع الجميع لهم ويخضعون. هذا ما فعلته البحرين من قبل. أما قطر فمازالت حتى الآن تستعصي عليهم”.
وتابع هيرست :”بالنسبة لممالك الخليج الذي مولت عبد الفتاح السيسي، فقد مثل ذلك اليوم انطلاقة الثورة المضادة التي تعضد سلطتهم المطلقة وتركل إلى عقد قادم الانتخابات الحرة أو أي وجه من أوجه المنظومة البرلمانية التي تحاسب من في السلطة، وتتركهم يرفلون ويتنعمون في ثرواتهم، لهذا، لا يمكن اعتبار المحاولة الانقلابية في تركيا في العام الماضي والحملة الحالية على قطر سوى الفصل الأخير، لا أقل ولا أكثر، من العملية التي بدأت قبل أربعة أعوام”، مشددها :”لقد دعمت قطر المعارضة السياسية في مصر وفي كل أرجاء المنطقة، ومنحت الربيع العربي صوتاً من خلال قناة الجزيرة وما كانت تقدمه من برامج وتقارير. ولذلك يعتبر إخراس قطر مسألة مركزية بالنسبة لنجاح العملية التي استمرت أربعة أعوام متواصلة. تلك هي القوة المحركة من وراء الحصار والعقوبات التي تفرض على قطر اليوم، كلما تمادت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر في الإصرار على أن حملتهم إنما يقصد منها وقف التمويل عن الإرهابيين كلما سلط الضوء أكثر فأكثر على تواطؤ هذه الدول مع تنظيم القاعدة ومع تنظيم الدولة الإسلامية، ولذلك تراهم يسعون جاهدين الآن إلى التخلص من الأدلة الدامغة ضدهم من خلال كنسها تحت الطاولة”.
وتطرق هيرست للوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مصر السيسي، حيث سلط الضوء على الواقع الصعب الذي بدأ الشعب المصري يحسه بقوة :”بل أربعة أعوام، خرجت حشود من المصريين إلى الشوارع في الثلاثين من يونيو 2013 لتطلب من مرسي التنحي، وتطلعت هذه الحشود إلى الجيش وإلى السيسي رجاء أن يحققا لها الاستقرار المنشود. إلا أن مصر اليوم أقل استقراراً وأضعف حالاً وأشد فقراً مما كانت عليه، وبكل المعايير”، مضيفا :”يعيش ما بين 30 إلى 40 بالمائة من الناس في البلاد اليوم على دولارين أو أقل في اليوم. وفي شهر مايو ر ارتفعت نسبة التضخم إلى 30 بالمائة، وهي الأعلى منذ ثلاثة عقود. زادت أسعار الوقود بنسبة 200 بالمائة خلال ثلاثة أعوام. كان الدولار الأمريكي يوم 3 يوليو يساوي ستة جنيهات مصرية، أما اليوم فهو يساوي أكثر من ثمانية عشر جنيهاً. وحتى المعدل الرسمي للبطالة – 12.4 بالمائة – في ارتفاع مستمر، ويعتقد بأن النسبة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير”.
وقال الباحث البريطاني :”كثيرون ممن دعموا السيسي وأيدوه في انقلابه ضد مرسي هربوا إلى خارج البلاد أو تعرضوا للاعتقال. ولم يعد من معنى أو قيمة للهوة التي كان قائمة بين القوى العلمانية والقوى الإسلامية التي عبأت ميدان التحرير وبدت متجهة نحو الاتساع في أيام مرسي، فاليوم يجد الطرفان نفسيهما في صفوف المستضعفين والمضطهدين سياسياً. وعندما قامت مصر بحظر واحد وعشرين موقعاً على الإنترنيت، كان الموقع اليساري المستقل “مدى مصر” واحداً منها، رغم أنه لم يكن أبداً من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين”.
وختم هيرست كلامه بالتنظير للثورة القادمة، مبرزا :” والآن، تصور لو أن المملكة العربية السعودية والإماراتيون في عام 2011، بكونهما أغنى بلدين في العالم العربي، تبنتا توجهاً مختلفاً واتخذتا قراراً آخر. تصور لو أنهما بدلاً من الاستثمار في الثورة المضادة وفي عقد آخر من القمع والظلم، اختارتا أن تستثمرا في الديمقراطية وفي الناس، تصور لو أن الحكومات التي تشكلت بعد أول انتخابات حرة ونزيهة تعرفها المنطقة لم تحتج إلى مؤتمرات للدول المانحة أو إلى خطة مارشال أخرى. فالمال كان متوفراً، وكل ما كان مطلوباً من جزء من العالم العربي هو الإيمان بالجزء الآخر والثقة به والاستثمار فيه. لكن الأخوة الحقيقية في هذا الجزء من العالم الذي يكثر في ثقافته استخدام كلمة “أخي” تبدو شحيحة”، مشددا :”حال المنطقة ككل لا يختلف عن حال مصر. في نفس اللحظة التي يشعر فيها السعوديون والإماراتيون بنشوة النصر تجدهم في الواقع ينشرون بذور ثورة جديدة عارمة قادمة. ولكنها هذه المرة لن تكون ثورة قائمة على الديمقراطية ولا على سيادة القانون ولا على تجنب العنف. ولن تكون منضبطة ذاتية ولا قابلة للتحكم. ولكنها قادمة لا محالة”.