أكد النظام السياسي الإيراني مرة أخرى موهبته في حشد الشعب وراءه رغم المشاكل الحادة التي يعانيها الداخل الإيراني هذه المرة ضد المملكة العربية السعودية وترامب على بعد خطوات قليلة من صفقة “القرن” التي تهدف الدول العربية خلالها التوحد مع أمريكا وإسرائيل لمواجهة المشروع الشيعي.
وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز” البريطانية في تقرير لها :” في أكثر ميادين طهران ازدحاما، توجد لوحة إعلانية ضخمة، تحمل رسما لشاب في زي الحرس الثوري، يمد يده داعيا الإيرانيين لمتابعة طريقه، ويجتمع الشباب الصغار تحت اللوحة، ويلوحون بشارة النصر، ويأخذون صور “سلفي” مع اللوحة”، مضيفا :” الشاب على اللوحة هو محسن حجاجي، البالغ من العمر 26 عاما، الذي كان مجهولا مثله مثل آلاف المقاتلين الإيرانيين الذين تناوبوا على الجبهات في العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، لكن بعد أن أسره تنظيم الدولة ونشر له فيديو ثم قام بقطع رأسه في أغسطس، حولته الحكومة الإيرانية إلى بطل حرب ووجه لدفعة جديدة من القومية الإيرانية”.
وعلقت الصحيفة الأمريكية على هذا الأمر بالقول :” بعد سنوات من التشكك، أو ببساطة عدم الاكتراث بأي شيء سياسي، انجرفت الطبقة الوسطى المدنية نحو موجة من الحماسة القومية، ويمكن عزو هذا التغير في المواقف إلى عاملين مرتبطين: انتخاب الر ئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسا، والتنافس المتزايد مع السعودية المنافس الطائفي لإيران على الهيمنة الإقليمية”، لافتة :” الإيرانيون استمعوا عام 2016 لترامب خلال حملته الانتخابية، يشجب الاتفاقية النووية الإيرانية، ويصفها بأنها “أسوأ صفقة تم التفاوض عليها”، ووعد بتمزيقها، كما شاهدوه رئيسا يبيع السعودية أسلحة بقيمة 100 مليار دولار، ويشارك في رقصة الحرب التقليدية السعودية، بالإضافة إلى أن سياسات الأمير السعودي الشاب، محمد بن سلمان، الذي ينظرون إليه على أنه شخص متهور ولا يمتلك الخبرة، تثير قلقهم”.
وأفاد التقرير :” في الوقت ذاته، فإن الإيرانيين يرون أن لديهم شيئا يفخرون به، حيث تؤدي المليشيات المدعومة إيرانيا دورا رئيسيا في هزيمة تنظيم الدولة في سوريا في العراق، ما زاد من نفوذ إيران الإقليمي”، مبينا :” أشهر نجمين اليوم في إيران، وهي البلد التي تملك صناعة أفلام ومسرح وموسيقى مزدهرة، ليسا ممثلين ولا مغنيين، لكنهما مسؤولان في المؤسسة الرسمية: قائد الجهد الحربي الإقليمي الإيراني اللواء قاسم سليماني، ورئيس الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي أصبح يمثل إيران المتزنة”.
وتابع الكاتب :” باختصار يبدو أن ترامب والسعوديين ساعدوا الحكومة الإيرانية لتحقيق ما لم تستطع تحقيقه من خلال سنوات من القمع: الدعم الواسع لوجهة النظر المتطرفة بأنه لا يمكن الوثوق في الرياض وأمريكا، وأن إيران اصبحت قوية اليوم وتستطيع التحديق في أعدائها”، منوها :” المتشددون في إيران فرحون بهذا التحول في حظوظهم، بعد أن خسروا شعبيتهم خلال سنوات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث يقول المحلل السياسي المتشدد حميد رضا تارغي: “شكرا لترامب على تعليقاته المجنونة وخداعه وغشه، لقد أثبت ما كنا نقوله دائما لفترة طويلة، وهو أنه لا يمكن وضع الثقة في أمريكا.. كثير لم يصدقونا لكنهم اليوم يصدقوننا”.
وأكد التقرير :” بذور القومية الجديدة زرعت عندما تم انتخاب حسن روحاني، الذي يعد معتدلا، للرئاسة عام 2013، فكانت أول بارقة أمل للطبقة الوسطى منذ قمع المظاهرات في الشوارع بعد انتخابات 2009، التي اعتبرت مزورة على نطاق واسع، لافتا إلى أن الرئيس روحاني وعد بعقد اتفاق نووي للتخلص من المقاطعة الدولية لإيران بسبب برنامجها النووي، التي أثرت في اقتصاد البلد وعزلتها، وعندما تم توقيع الاتفاقية في 2015 فرح الإيرانيون؛ بسبب فرصة تحولهم آخيرا إلى بلد “عادي”، مستدركة :” إدارة ترامب جاءت بعد ذلك، وكان تركيزها الأحادي على إيران، بصفتها مصدرا للمشكلات في الشرق الأوسط كلها، كما ذكر وزير الدفاع الأمريكي في العديد من المناسبات، وبدأت زعامات إيران بالترويج للقضايا الوطنية، حيث وجدوا فرصة في التغيير لتدعيم مصداقيتهم التي كانت تترنح”.
وختمت “نيويورك تايمز” بالقول :” الإيرانيون هاجموا حساب “إنستغرام” الخاص بترامب، وتركوا حوالي 3 ملايين تعليق حول الخليج الفارسي، وقال الصحافي الإيراني بهرام كلباسي المقيم في أميركا: “لا أعرف طريقة أسرع لتوحيد الإيرانيين خلف الحكومة من ذلك”، ونصح ترامب بأن يذهب ضد الاتفاقية النووية الضرورية للاقتصاد، وألا يتعرض لفارسية الخليج”.