رغم المشاكل الكبيرة التي يعاني منها تنظيم الدولة “داعش” بعد أن اندحر في معاقله بسوريا والعراق، الا أن التنظيم لازال يحقق بعض المكاسب في أوروبا من خلال عملية أثارت الرعب في العواصم الغربية كاملة.
وقالت مجلة “ذي أتلنتيك” البريطانية في تقرير جديد لها :” هذا النجاح يعتمد على مدى الذكاء في تصوير الهجوم، ومدى استعداد الإعلام لقبول الرواية، ويستخدمان مثالا على ذلك العمل الإرهابي الذي وقع يوم الجمعة في قطار الأنفاق في لندن، حيث توقف خط ديستريكت بعد اندلاع نار في قطار في محطة بارسونز غرين، وبعد وصول الشرطة بدقائق خرجت الأنباء بأن سبب الحريق هو قنبلة فشلت في الانفجار، وخلال ساعتين من الحادث أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن الحادث كان عملا إرهابيا فاشلا”، مشيرة :” في الساعة الثامنة مساء ذلك اليوم، أي بعد حوالي 12 ساعة من وقوع الحادثة، تبنى تنظيم الدولة الهجوم، وأعلن عن مسؤوليته من خلال بوق دعايته الرسمي وكالة أعماق للأخبار، وأطلق بعد ذلك بدقائق بيانا آخر، لكن هذه المرة من جهازه الإعلامي المركزي، معطيا تفاصيل إضافية حول الهجوم، ويدعي، دون إثبات لذلك، بأنه “تم زرع عدة قنابل”، وأن القنبلة التي انفجرت في الصباح لم تكن سوى “واحدة منها””.
وعلقت المجلة على هذه المعطيات بالقول :” بفعله هذا، فإن التنظيم خالف بروتوكولا خاصا به، يمتنع بموجبه من تبني العمليات الفاشلة، أو تلك العملية التي لا يزال منفذها فارا (ما عدا هجوم وقع في بروكسل الشهر الماضي)، لكن يبدو أن التنظيم قرر هذه المرة أن خسارة فرصة تبني الهجوم في بارسونز غرين كانت كبيرة، وأدرك المسؤولون الإعلاميون لديه أن بإمكانهم، ودون جهد كبير، تحويل الفشل إلى نجاح”، مؤكدة :” لم تخب آمالهم، فبعد صدور البيان انقلبت النظرة إلى العملية، وتم رفع مستوى التهديد الذي تحدده الاستخبارات العسكرية الداخلية من (خطير) إلى (حرج)، فلم يعد التركيز على فشل القنبلة، فذلك أصبح أمرا عرضيا في أفضل الأحوال، وأصبح الاستنتاج الرئيسي من الهجوم هو أن تنظيم الدولة استطاع مهاجمة المملكة المتحدة أربع مرات في غضون ستة أشهر”.
ولفتت المصادر ذاتها :” هذه لم تكن المرة الأولى التي يوظف فيها تنظيم الدولة الدعاية لتوجيه خطابه الشعبوي بعد العملية، إذا فكرنا كيف استخدم التنظيم كلمات قليلة لتحويل أمثال قاتل أورلاندو، أو المسلح في حادثة الرهائن في سيدني، وغيرهما ممن يسمون بالمهاجمين الذين استلهموا فعلهم من التنظيم، من قتلة عاديين لأبرياء عزل إلى (جنود للخلافة)، “هذه المرة لم تختلف، فقد استخدمت الدعاية للإضافة إلى الرسالة المقصودة من عملية الجمعة، وعلينا أن ندرك أن إعلان تنظيم الدولة المسؤولية ليس أبدا (مجرد) إعلان للمسؤولية، لكنه جزء أساسي من العمل الإرهابي ذاته، إنه إضافة سيكيولوجية تهدف إلى تزوير الوعي الشعبي، وأثر ذلك أخطر من العملية ذاتها، وفهم كيف تؤثر هذه الادعاأت، التي يسميها التنظيم (صواريخ إعلامية) على هجوم معين مهم إن كنا نسعى لتجاوز هذه العاصفة”.
وأكدت “ذي أتلنتيك” :”علينا أولا أن ننسى النتائج الثنائية، ففي هذا النوع من الإرهاب الذي تقوده الرواية، فإن الأمر ليس ببساطة نجاح أو فشل العملية الإرهابية بناء على أثرها المباشر، لكن هناك ميزانا للنجاح وعدد الضحايا ليس إلا واحدا من عوامله، وما لا يقل عنه أهمية أثر التواصل، وهو ما يعطي قيمة الفعل من ناحية دعائية، وهو تكتيك تنفذ بحسبه العمليات لحجم الرعب الذي تتسبب به للأعداء ورفع معنويات المؤيدين، وهذا هو ما يلتمسه تنظيم الدولة”، مستطرة :” منع الإرهابيين من النجاح على مستوى التواصل أمر صعب، ويحتاج إلى أكثر من مجرد عمل شرطي ومخابراتي ناجح؛ وذلك لأنه يمكن بسهولة استخدام أي عملية، ما لم يتم إبطالها قبل أن تتم، للمبالغة في الإمكانيات والشهية للقيام بمثل تلك العمليات، ولذلك لم يفشل مفجر بارسونز غرين مع أن القنبلة فشلت، فما قام به هو شن عملية دعائية لتنظيم الدولة، وبالرغم من أن القنبلة لم تقتل أحدا ولم تشل الحركة في لندن، بل إن خط القطار المعني عاد للعمل في المساء، إلا أن العملية حققت الهدف المرغوب فيه، حيث ذكرت العالم أن تنظيم الدولة يتربص به، وأثبتت للأعداء والمؤيدين بأن التنظيم لا يزال إلى حد ما على الأقل قادرا على شن هجمات مستقبلية، ومهما بدا ذلك بسيطا إلا أن ذلك هو تحقيق النجاح”.
وختمت المجلة البريطانية تقريرها بالقول :” يجب علينا توقع مثل ذلك الهجوم مستقبلا، في الوقت الذي يتنقل فيه تنظيم الدولة من التركيز على الأراضي إلى التركيز على الإرهاب، ويجب أن نتوقع أن الهجمات القادمة قد لا تفشل، ولذلك لا بد للحكومات ووسائل الإعلام تجهيز أنفسهم، فجهاز الدعاية للتنظيم سيكون متعطشا لتحويل أي شيء يستطيعه من عمليات طعن معزولة إلى عمليات انتحارية منسقة، إلى إثبات حي على أنه لا يزال موجودا ويتمدد ويحرض، وإن لم نكن حذرين، فإن هذا وحده سيبقي التنظيم قائما لسنوات قادمة طويلة”.