“جنة الأمهات”، بهذه الكلمات وصفت صحيفة “الغارديان” حدائق النساء الخاصة التي أصبحت متنفسا للنساء الإيرانيات الراغبين في الترويح عن أنفسهن.
وقال التقرير نقلا عن لالة وهي سيدة بالغة 47 سنة والتي تعمل كمصففة شعر في طهران :”أحب أن أخلع حجابي.. يمكننا أن نرتدي ملابس خفيفة هنا، وهذه حرية أستمتع بها”، في الوقت الذي كانت جالسة فيه على طاولة في الحديقة، وترتدي قميصا قصيرا يكشف عن بطنها”، لتعلق كاتبة التقرير :” لالة كانت هناك نسوة يلبسن القمصان الخفيفة والجينز الضيق، ويرقصن على موسيقى البوب الصاخبة، واعتلت إحداهن طاولة، وبدأت تتلوى على نغمات الموسيقى، ووقفت طالبات مدرسة يلبسن الحجاب الأبيض يشاهدن هذا المشهد، مشيرة إلى أن صديقة من صديقات لالة، وهي ممرضة متقاعدة، قالت لها: “نكره الحجاب.. ونفرح عندما نذهب إلى مكان نستطيع أن نمشي فيه دون غطاء، ونقوم ببعض التمارين الرياضية، ونتعرض لأشعة الشمس”.
وأشارت الصحيفة :” يجب على النساء في العاصمة الإيرانية أن يلتزمن بالقواعد المقيدة للباسهن؛ وهي غطاء الرأس، وبناطيل طويلة، ومعطف يغطي الوركين، ومن تخالف فإنها تعرض نفسها لغضب شرطة الآداب”، مستدركة :” النساء في الحديقة الخاصة بهن قمن بتعليق غطاء الرأس والمعاطف على أغصان الشجر، دون انتهاك أي قوانين، فهذه إحدى الحدائق المخصصة للنساء في إيران، التي انتشرت في طول البلاد وعرضها مؤخرا، لافتا إلى أن “جنة الأمهات” كانت أول حديقة تفتتح في العاصمة عام 2008، ثم افتتحت ثلاث حدائق أخريات في مناطق مختلفة من العاصمة، ثم انتشرت في أنحاء البلاد، ففي أصفهان مثلا هناك خمس حدائق”.
ولفتت “الغارديان”: بالرغم من وجود حدائق خاصة بالنساء في بلدان إسلامية أخرى، مثل باكستان وأفغانستان والسعودية؛ لتوفير أماكن للنزهة، بعيدا عن التحرش الجنسي، إلا أن سبب إقامتها في إيران يعود ظاهريا إلى أسباب صحية”، ناقلة عن رضا أرجمبد، عالم الاجتماع في جامعة لون في السويد تعليقها :” نقص فيتامين “د” يعد مشكلة في المدن الإيرانية، حيث أن النساء مضطرات لتغطية أجسادهن في الأماكن العامة، ويعشن في العادة في شقق ذات نوافذ صغيرة لا تدخل ما يكفي من أشعة الشمس، لافتة إلى أن دراسة قامت بها وزارة الصحة عام 2001، أظهرت أن هناك تزايدا في عدد النساء اللاتي يعانين من هشاشة العظام، وهو ما يقول أرجمند إنه ألهم السلطات للقيام بإنشاء تلك الحدائق الخاصة بالنساء”، مضيفا :” “تقليديا، لم يكن تمشي النساء الإيرانيات في الحدائق يعد أمرا لائقا.. وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، اعتبرت الحكومة حدائق النساء أمرا غير ضروري، لكن عندما تبين أن الأجيال القادمة قد تعاني من ترد صحي؛ بسبب الحالة الصحية السيئة للأمهات، فإن السلطات اهتمت بالأمر”، حيث أن الحدائق توفر للسلطات “فرصة كبيرة في نقل الفصل بين النساء والرجال إلى مستوى جديد”.
وتصف الصحيفة هذه الحدائق بالقول :” “هناك خيما تتناول فيها النساء طعام الغداء، في الوقت الذي تقوم فيه بعضهن بالتمارين الرياضية على الأجهزة الخاصة بذلك في الحديقة، وأخريات يشترين المرطبات من الأكشاك، أو ينشغلن بالأطفال، وهناك فتيات يلبسن التنانير والبناطيل القصيرة، لكن البعض الآخر يفضلن البقاء في معاطفهن وحجابهن، وهناك سياج معدني كبير يفصل الحديقة عن العالم الخارجي، وتنتشر الحارسات بالزي الأزرق والكفوف البيضاء على الأبواب وداخل الحديقة؛ لإبقاء الأمور تحت السيطرة.. ويمنع منعا باتا أخذ الصور”، متابعا :” عند التدقيق في تلك الحدائق ستجد أن تلك الحدائق لا تخدم النساء بشكل جيد، كما يوحي اسمها، فمع أن هناك بعض مناطق اللعب للأطفال، فإنه ليست هناك مرافق للتبديل للرضع، ولا يسمح للأطفال الذكور فوق سن الخامسة بالدخول إلى الحدائق، وبحسب أرجمند فإنه كان المفترض أصلا أن تشارك النساء في تطوير تلك المساحات، لكن في النهاية قام الرجال بتصميم كل شيء، ويقول: (لدينا العديد من المعماريات الجيدات ومهندسات التخطيط المدني في إيران، لكن لم يستشرهن أحد)”.
وختمت “الغارديان” تقريرها بالقول :” إيجاد أماكن مناسبة للحدائق لم يكن أمرا سهلا، حيث هناك خشية من البنايات المشرفة التي يستطيع الرجال من خلالها رؤية النساء من نوافذهم أو شرفاتهم، لذلك فإن معظم هذه المناطق الخضراء مقامة في أطراف المدينة، وهو ما يجعل وصول الكثير من النساء إليها أمرا صعبا، بالإضافة إلى أن الكثير منها تغلق مبكرا، وذلك للسماح للبستانيين الرجال برعاية النباتات في تلك الحدائق”.