تعد الجزائر من أكثر الدول في العالم التي يهاجر مواطنوها إلى الخارج بحثا عن فرص للعيش الكريم وأهم أسباب تنامي ظاهرة الهجرة في الحالة الجزائرية هو الفقر ومشتقاته المتمثلة في التهميش والحكرة والإقصاء والناتجة عن سياسة استبدادية فاسدة تستحوذ على الثروة وتترك الفتات وتتزين بتوزيع الوهم في إصلاح الحال والدعوة للتشبث بالآمال.
نعم يا سادة يا كرام فقد توجهت آمال أبناء هذا الوطن نحو الضفة الأخرى حيث تحترم كرامة الإنسان وتضمن حقوقه آمال تدفع ثلاثة أصناف تقوم عليها التنمية بالتفكير الجدي في المغادرة هربا من ضيق اجتماعي خانق إلى سعته في بلاد الغرب: الصنف الأول هم أطر نالوا شواهد عليا ففضلوا أن يضعوا خبراتهم وعقولهم في خدمة دول توفر لهم كافة الضمانات بدل ذبولها هنا في ظل غياب الظروف المناسبة لخدمة بلدهم بنزاهة وصدق فقد ذكر تقرير سابق للبنك الدولي أن الجزائر تعد من بين اكبر مصادر للهجرة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وكشفت عدت تقارير محلية أن 6 آلاف إطار عالي المهارة من القطاعين العام والخاص يهاجر سنويا إلى الخارج وهو ما يؤدي إلى نقص حاد وخطير في الكفاءات الجزائرية التي يحتاج إليها سوق الشغل بالبلاد ونبهت هذه التقارير المستقلة إلى استمرار نزيف هجرة الأدمغة الجزائرية إلى الخارج لافتا أن 25 في المائة من الأطر العاملين في قطاع التكنولوجيا قدموا استقالتهم سنة 2017 بحثا عن فرص عمل محفزة وظروف عيش جيدة خارج بلاد ميكي أما الصنف الثاني فيتوفر على دبلومات حرفية وقدرات بدنية اكتوى بلظى البطالة واستشعر خطر تقدم السن وهو مطوق بالفقر دون أن يتحسن الوضع فاندفع نحو خوض مغامرة البحر دون التفكير في مخاطره التي قد تفقده حياته فركوب قوارب الهجرة أو ما يصطلح عليها قوارب الموت هي معادلة تنحصر نتيجتها عند حلين حياة أو موت معادلة يعيها جيدا المهاجر السري لكن ألجأه إليها عيش بلا بوصلة وبلا كرامة في دولة غنية بثرواتها ولكن في كثير من الأحيان تنتهي الرحلة بمآسي وسط البحر وهو نزيف مستمر وجرح لم يندمل مادام الوضع على ما هو عليه أما الصنف الثالث رجال ونساء أعمال يحملون أموالهم لاستثمارها في الخارج بعد فقدانهم الثقة التي غذاها انتشار الفساد وغياب الظروف المناسبة للاستثمار في بلادهم وذلك في ظل التراجع الاستثماري الأجنبي المعلن عنه رسميا.
وفي الأخير فقد فجعت الجزائر في مرات عديدة خلال السنة الجارية في ثلة من شبابه الذين أحبطتهم الحقائق على الأرض فاختاروا البحر طريقا إلى الانعتاق من أغلاله وفضلوا أهوال أمواجه العاتية على أهوال الإحباط واليأس التي تحاصرهم في كل درب وكل زقاق وفي كل وقت وحين فخلال سنتي 2017-2018 لقي العشرات من المهاجرين حتفهم غرقى وهي مآس تتكرر كل سنة بسبب الفقر المنتشر وندرة فرص الشغل في ظل انتشار الفساد من أعلى هرم السلطة إلى أسفله.