القضاء مهمة شاقة وأمانة ومسؤولية عظيمة أنيطت بمن حملها وتجشم الأخطار للحصول عليها فمن حملها فكأنما حمل جبال الأرض على ظهره فإما أن يقوم بحقها ويكون الله معه ويُعان على ذلك وإما أن يخون الأمانة ويركن للدنيا فتقصم ظهره فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أن لم يقض بين اثنين في تمرة قط.فالقضاء من أشد الوظائف خطورة فالقاضي يفتي في الناس ويحكم بينهم بالعدل والسوية دون محاباة لأحد على آخر فالكل لديه سواسية لا فرق بين كبير ولا صغير ولا ذكر ولا أنثى ولا وضيع ولا رفيع فالكل سواسية . وهذه باقة يانعة من كتاب الله جل وعلا تبين خطورة الإجحاف في القضاء بل تبين خطورة القضاء بين الناس : قال تعالى : ” وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ” [ المائدة 42 ] . وقال تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” [ المائدة 44 ] . وقال تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ” [ المائدة 45 ] . وقال تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” [ المائدة 46 ] . وقال تعالى : ” فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ” [ المائدة 48 ] .
في يومنا هذا أليس من الواجب علينا إكرام الميت بدفنه بما له وما عليه ألم يئن الأوان لقراءة الفاتحة على روح العدالة الجزائرية التي وافتها المنية بعد المرض العضال الذي أصابها والذي عجز كل الأطباء عن محاربته إنه مرض الرشوة والزبونية والمحسوبية هذا المرض الخطير الذي ألم بقضائنا وكان سببا رئيسيا في وفاته المفاجئة فليس من السهل الحديث عن القضاء الجزائري الذي أصبح اليوم مجرد ماخور وبشهادة قضاة متقاعدين. منهم من ينشر الغسيل باسمه بلا خوف ومنهم من ينشر باسم مستعار مخافة من الانتقامات المجانية من مؤسسة مخرومة ومنهوكة وفاسدة بنسبة فاقت كل التكهنات. فإذا كان القضاة الجزائريون قد أبانوا في العديد من المحاكمات على مدى تهورهم واستهتارهم بالقيم القضائية والتلاعب بالميزان الذي يمكن أن نقول عنه بأنه أقدس المقدسات على وجه الأرض لما له من قيمة لدى كل الدول وكما قيل في حديث نبوي شريف: ما معناه “حكم ساعة خير من عبادة سبعين سنة” فالملفات الكبيرة للفاسد والتي تخص المسؤولين الكبار تمنح للقضاة الفاسدين حتى يقتسموا الغنيمة مع المسؤولين الذين يمصون دماء المواطنين. فقد كان عهد الثمانينات عهدا لانطلاق الفساد والإفساد والرشوة في قطاع العدالة ببلادنا ثم جاء عقد التسعينيات من القرن الماضي فكان استمرارا لعهد الثمنانينيات فزاد فيها فساد القضاء ورشوتهم بشكل مهول وأصبح القضاة الشرفاء والنزهاء هم الاستثناء اليسير والفاسدون والمفسدون هم الأغلبية وأصبح جهاز القضاء كسد لتجمع فساد مجموعة من الأودية من متقاضين ظالمين وشرطة ودرك ومحامون وموظفي محاكم وسماسرة وقضاة ونواب وكلاء الدولة وأصبحت مجموعة من الأحكام القضائية عنوانا للظلم والشطط والاستهتار بحقوق الأبرياء وذوي الحقوق بدل أن تكون عنوانا للحقيقة والعدل وأصبح المتقاضون يفقدون الثقة في قضاءهم وقضاتهم فالقاضي أصبح أصله مرتبط بالرشوة والفساد والظلم وأصبحت نسبة القضاة الفاسدين والمرتشين تفوق 90% بكل أمانة أصبح القضاة لا يخافون أن يصدروا الأحكام كما يحلو لهم وأصبح بعض القضاة في ظرف سنوات قليلة يلعبون بمئات الملايين وأصبحوا يركبون آخر أنواع السيارات ويلبسون أثمن الثياب رغم أن أسرهم فقيرة وأصبح الفساد والرشوة عند المسؤولين القضائيين تزيد عن 90% وأصبح الكثير من المسؤولين القضائيين يقتسمون الرشوة مع القضاة بشكل علني وأصبحت مكاتب القضاة مفتوحة كدكاكين للبيع والشراء وأما أخطر ما في القضاء ليس ظلم المواطن العادي بل ظلم أهل القضاء أي محاكمة القضاة والمحامون النزهاء ومرمطتهم في السجون كمجرمين حقيقيين وحتى عندما تبث البراءة فلا اعتبار لهؤلاء ليس مفروضا لدى وزارة العدل بل تكتفي هاته الوزارة على إرجاع البعض إلى منصبهم بدون أن تقيم مدى الانكسارات التي تعرض لها هؤلاء القضاة الحاملين للهم القضائي بالجزائر وحالهم لا يختلف عن حال بعض المحامون النزهاء المدافعين عن قدسية القضاء والمدافعين على جعل القانون يعلى ولا يعلا عليه في وطن أصبح فيه الحق زهوقا والباطل ظاهرا بعد أن زهق الحق خلافا للآية الكريمة “لقد ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا”.
وفي الأخير قال صلى الله عليه وسلم : ” القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة : رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة “.