في الصباح كما في المساء في الحر كما في الشتاء تتجدد معاناة هذا الشعب بشيوخه وشبابه وأطفاله مع الإقصاء والحغرة التي أضحت كابوسا مخيفا يفكر فيه المتمدرسين أكثر مما يفكرون في الحصول على علامات جيدة في موادهم الدراسية فهم يعرفون أنهم مهما حصلوا على النقط العالية فهم مقصيون ومنسيون ففي كل مرة نرى مشاهد مؤثرة جدا لإقصاء احد أبناء الشعب بسبب انه زوالي لا يحق له أي شيء لأنه بكل بساطة خلق ليكون رقما فقط، فالانتماء للوطن ليس أمرا مجردا وإنما هو رباط معنوي ومادي خلاصته أن يشعر المواطن أن له مكانا وحقوقا مثل الواجبات.. فهل ابن الزوالي يتساوى مع ابن المسؤول في الحقوق ؟.. بمناسبة إقصاء صاحبة أعلى معدل على المستوى الوطني في تاريخ البكالوريا لسنة 2017 بـمعدل 19.21 التلميذة خولة بلاسكة ابنة تمالوس بولاية سكيكدة من الاستفادة من الرحلة إلى تركيا، والمهداة من رئيس الجمهورية للأوائل الحاصلين على البكالوريا.. وهذا الحدث يبين كمن نحن لا نساوي شيء عند المسؤولين.
لقد رأينا خلال عقود كيف كان الفقراء بل أبناء الطبقة الوسطى من العمال والفلاحين والموظفين مستبعدين من المناصب الكبرى في المقابل فرض المسؤولين مبدأ التوريث كقانون ليس فقط في القضاء وإنما في الخارجية والبنوك وسونطراك والوزارات بينما الفقراء وأبناؤهم شركاء في ضريبة الدم والتجنيد والشهادة أليس من حقهم أن يحصلوا على حقهم في الوطن والفرص في العمل فالفقراء وبلا وساطة ظلموا خلال العقود الأخيرة، وتعرضوا لتهميش وإقصاء، وكانوا ضحايا لسياسات وقرارات على مدى عقود حتى ولم يثبت أنهم خانوا الوطن أو شاركوا في فساد أكثر من غيرهم وما حصلوا عليه كان في صورة عطايا مع معايرة لم تساهم في رفعهم اجتماعيا. فقد كان التعليم هو الطريق الوحيد أمام المواطنين من الطبقتين الوسطى والفقيرة للترقي الاجتماعي والاقتصادي وكان تفضيل المتفوقين حافزا لهم ليبذلوا جهدا في الدراسة والتفوق ومع الوقت فتم استبعاد المتفوقين لصالح أبناء الكبار، حتى لو لم يكونوا متفوقين وشاعت عملية توريث المناصب في القضاء والخارجية والبنوك والسونطراك والوزارات وغيرها، وفى نفس الوقت توقف تجدي النخبة بينما من كانوا يحصلون على مواقع بلا جهد لا يبذلون جهدا للتطوير والتقدم. ومع غياب الحافز يفقد الشباب الأمل في الوطن ويفكرون بهجرة جماعية فالمواطنون منذ الاستقلال وهم في أغلبهم من الفقراء لم يظفروا بالحد الأدنى مما كانوا يأملون من السلطات العمومية وتلاشت أحلامهم وتحطمت آمالهم على صخرة التهميش والإقصاء والنسيان وتوالت السنوات وتعاقب ما شاء الله من حكومات وظل حال الزواولة يراوح مكانه متروكين على ذواتهم يقاسون المصاعب في كافة أوجه الحياة دون أن يجذبوا اهتمام أو تعاطف أحد.
العدل هو أن يكون التفوق والكفاءة أداة الصعود وضرورة وضع قواعد واضحة لتكافؤ الفرص تطبق بشفافية ووضوح تحدد أسباب قبول أو رفض المتقدمين للمناصب المهمة حتى لا يفقد المواطنون شعورهم بالوطن فمن حق ابن الزوالي المتفوق أن يحصل على المنصب مثلما يدفع ضريبة الدم للوطن فالوطنية للفقراء والوطن لأغنياء.